باول ليس وحده موصوماً بالعار
د. فاتح عبدالسلام
وحده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان له رأي سياسي بامتياز في رحيل كولن بأول وزير الخارجية الأسبق بعد ساعات من وفاته ، وقال ترامب في بيانه “من الجميل رؤية التعامل الرائع لوسائل الإعلام المضللة مع الراحل كولن باول الذي ارتكب أخطاء كبيرة في العراق ولا سيما في ما يتعلق بما سمي أسلحة الدمار الشامل. وآمل أن يحدث هذا لي يوما ما أيضا”. المفاضلة اذن هي في كمية الأخطاء التي من الممكن التغاضي عنها واعلاء شأن السياسي المتوفي من جوانب أخرى غير التي سقط فيها. ربّما يبحث ترامب عن ديباجة رثائية له من خصومه السياسيين، لا تشف فيها ولا تعداد للأخطاء، فهو يرى في كلمته انَّ أيّ خطأ فعله برغم عدم ذكره هذا هو اقل من غزو بلد تحت ذرائع الأكاذيب. مهما اتفقنا او اختلفنا مع ترامب فإنه رئيس سابق قاد الولايات المتحدة في فترة صعبة واتخذ قرارات ما كان لسواه القدرة على اتخاذها. وهو حين يتناول مأساة احتلال العراق بوصفه الخطأ الجسيم الذي لا يمكن تجاهله فإنما يشهد على مسار امريكي في مطلع القرن الحادي والعشرين سيبقى العالم، لاسيما الشرق الأوسط، متأثراً به بقية سنوات القرن. العراقيون في اغلبيتهم يعرفون ان الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش ومن ثم الحاكم بول بريمر هما سبب مآسي البلاد وانهيار اركانه الاقتصادية والاجتماعية في صدمة الاحتلال وتردداتها. النخب الاتي اشتغلت على تنفيذ اليات الغزو هي التي تقف عند وفاة كولن باول بوصفه صاحب الكذبة التي جلبت الحظ لهم في ايصالهم على طبق من ذهب الى سدة السلطة. اليوم لا يهم العراقيون ما فعله كولن باول من دور تلفيقي في تبرير احتلال بلد عضو في الأمم المتحدة، لأن المصائب التي نزلت على رؤوسهم أكبر بملايين المرات من الوقوف وتذكّر وجوه الخدعة التي قادت الى الحرب. الآن تبدو المصيبة أكبر بكثير، بالرغم من ان كولن هو وصمة عار في جبهة الولايات المتحدة. وربما يشهد العراق ذات يوم قيام نظام يتمسك بعراقية التراب ويكون له سلطة القرار السيادي في غربلة المواقف التاريخية التي اتخذت ضد البلد، وتعليم الأجيال في المدارس انّ مجموعة من الأسماء الدولية والمحلية أسهمت بشكل مباشر في مقتل مئات الآلاف من العراقيين تحت ستار الأكاذيب. الجزائريون اجبروا بعد ستين سنة الفرنسيين على الاعتذار على قمعهم الذي اودى بحياة مائتي متظاهر. يا ترى اين هو العراق من إمكانية الوصول الى معنى السيادة الحقيقي؟