انتخابات يونيو 2015.. بداية نهاية الحكم المطلق لحزب أردوغان
مضت في 7 يونيو/حزيران الجاري، 5 سنوات على انتخابات تشريعية جرت في ذلك التاريخ عام 2015، والتي كانت إيذانًا بانتهاء نظام حكم الحزب الواحد الذي استمر 13 عامًا، وذلك بعد أن فشل نظام الرئيس، رجب طيب أردوغان فيها بالحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا. وفاز حزب العدالة والتنمية، الحاكم بتلك الانتخابات لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة 50+1 وذلك بعد حصوله على 40.9% من الأصوات فقط.
ودفعت هذه النتائج حزب العدالة والتنمية إلى الدعوة لانتخابات مبكرة في نوفمبر/تشرين ثان من نفس العام بعدما فشل في التحالف مع أي من أحزاب المعارضة التي نجحت في تلك الانتخابات.
وكانت هذه الانتخابات بوابة عبور حزب الشعوب الديمقراطي الكردي للبرلمان لأول مرة في تاريخه بعد تجاوزه العتبة الانتخابية التي تقدر بـ10%، حيث حصل على 13.1% من أصوات الناخبين.
وبحسب ما ذكره الإثنين، الموقع الإلكتروني لصحيفة “آرتي غرتشك” المعارضة، فإن الفترة التي امتدت من تلك الانتخابات حتى نسختها المعادة في 1 نوفمبر/تشرين ثان من نفس العام، تعتبر واحدة من أحلك الفترات التي شهدتها تركيا عبر تاريخها.
جاء ذلك بحسب تقرير أعدته الصحيفة، بالتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة لتلك الانتخابات التي قالت إنها “كانت العتبة التي انكسرت عليها الهيمنة المطلقة للحزب الحاكم على السلطة وانفراده بتشكيل الحكومة وحده، وهي الفترة التي استمرت 13 عامًا”.
وأوضح التقرير أن حزب العدالة والتنمية فقد في تلك الانتخابات مليوني صوت من أصوات الناخبين مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة عليها.
ولفت إلى أنه بعد انتخابات يونيو 2015، وعجز النظام الحاكم على الفوز بنسبة الأصوات التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا، بدأ الحزب الحاكم في مفاوضات مع حزب الشعب الجمهوري لتشكيل حكومة ائتلافية، غير أن هذه المفاوضات لم تسفر عن شيء ما اضطر الرئيس أردوغان في 26 أغسطس/آب من نفس العام إلى الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في 1 نوفمبر.
التقرير أوضح كذلك أنه بعد هذا القرار مباشرة بدأت تركيا تشهد سلسلة من التفجيرات التي كان الهدف من ورائها الحيلولة دون خروج المعارضة المجتمعية للشارع، معتبرًا أن المدة من 7 يونيو حتى 1 نوفمبر 2015، كانت بمثابة أحد أحلك الفترات في تاريخ السياسة التركية.
وبيّن التقرير أن الهجمات التي شهدتها تلك الفترة أسفرت عن مقتل 862 شخصًا؛ ليخرج الناخبون للمشاركة في انتخابات الإعادة التي حصلها فيها الحزب الحاكم على 49.5% من الأصوات، وفاز بـ317 مقعدًا من مقاعد البرلمان وبالتالي تمكنه تشكيل الحكومة منفردًا.
كما ذكر التقرير أن حزب الشعوب الديمقراطي نجح كذلك في انتخابات الإعادة في تجاوز العتبة الانتخابية ودخوله البرلمان بعد حصوله على 10.7% من الأصوات.
فيما نجح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة هو الآخر في رفع أصواته إلى 25.3% بدلًا من 25% في النسخة الأولى، فيما تراجعت أصوات حزب الحركة القومية إلى 11.9% بعد أن حصل على 16.3% في الانتخابات الأولى.
وبعد 5 شهور فقط من إعادة الانتخابات وفوز حزب العدالة والتنمية بالسلطة، اضطر رئيس الوزراء آنذاك، أحمد داود أوغلو لتقديم استقالته من رئاسة الحكومة والحزب الحاكم، بناء على تعليمات من أردوغان.
وبعد سنوات، وتحديدًا في مارس/آذار الماضي، حينما تكلم داود أوغلو بعد انشقاقه عن الحزب الحاكم، عن تلك الفترة قال مهددًا نظام أردوغان “لو فتحنا الدفاتر القديمة حول موضوع الحرب مع الإرهاب، فلن يستطيع الكثير من الأشخاص مواجهة وجوه الناس مرة أخرى”.
تصريحات داود أوغلو يقصد بها ملف مكافحة الإرهاب في الفترة بين الانتخابات البرلمانية المنعقدة في 7 يونيو/ حزيران 2015 حيث تمكن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي من تحقيق الحد الأدنى للتمثيل البرلماني، وقرار أردوغان بإعادة الانتخابات في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه بعد الإطاحة بطاولة السلام الكردي.
أحداث الفترة
في 20 يوليو/تموز 2015 وقع تفجير انتحاري في مدينة سروج التابعة لولاية شانلي أورفا، جنوب شرقي تركيا، أسفر عن مقتل 33 شخصًا، وأكثر من 100 جريح.
استهدف التفجير تجمعا لـ 300 شخص من اتحاد الشباب الاشتراكي في حديقة مركز أمارا الثقافي أثناء مؤتمر صحفي لتوضيح الجهود المبذولة لإعادة بناء عين العرب (كوباني) من جديد بعد حصارها من قبل تنظيم داعش.
وبعد يومين فقط من ذلك الهجوم قتل شرطيان تركيان أمام منزليهما في قضاء “جيلان بينار” التابع لولاية شانلي أورفا، وقيدت الواقعة ضد مجهول بعد أن وجه النظام الحاكم الاتهام لحزب العمال الكردستاني في البداية، وذلك لأنها تدرجه على قوائم التنظيمات الإرهابية.
وفي 10 أكتوبر/تشرين أول من نفس العام فجر انتحاريان نفسيهما في تجمع سلام لمنتمين لحزب الشعوب الديمقراطي أسفر عن مقتل 102 شخص، ليصنف الحادث بالأكثر دموية في تاريخ الجمهورية التركية.
تجديد الدعوات للتكاتف ضد أردوغان
وباتت ذكرى هذه الانتخابات بمثابة مناسبة يحتفل بها حزب الشعوب الديمقراطي سنويًا، لما يراه فيها من نجاح كبير قد حققه واستطاع من خلالها دخول البرلمان لأول مرة في تاريخه، حينما كان يترأسه صلاح الدين دميرتاش، المعتقل في سجون أردوغان منذ العام 2016.
وبهذه المناسبة، كتب دميرتاش، الأحد، من محبسه رسالة إلى كافة الأحزاب السياسية لدعوتهم إلى التكاتف والتعاون ضد نظام أردوغان، من أجل العودة بالبلاد إلى مسار الديمقراطية والرفاهية الاقتصادية.
وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة “سوزجو” المعارضة قال دميرتاش، في رسالته “علينا أن نتعلم الدروس من الماضي، وندخل في تحالفات واضحة وشاملة، ونشن حملات سياسية أكبر وأكثر شجاعة من أجل تحقيق الديمقراطية والحريات والسلام والرفاهية الاقتصادية”.
وأضاف قائلا: “فبإمكاننا فعل ذلك والانتصار على الحزب الحاكم حال تحالفنا، ولعل انتخابات 7 يونيو 2015 خير مثال على ذلك”.
وتابع القول: “ومن ثم فإنه يتعين على كل من تحدوهم رغبة لتغيير هذا النظام القمعي بشجاعة وثبات، أن يتكاتفوا لإلحاق هزيمة نكراء به، هذا أمر ممكن”.
واستطرد قائلا: “كما أن الانتخابات المحلية الأخيرة(31 مارس/آذار 2019) كانت سببًا في تهاوي شعبية الحزب الحاكم، وكانت بمثابة مؤشر على أن الطريق الوحيد لتخليص تركيا من هذا النظام، وتحقيق الحرية، والديمقراطية، والسلام، يمر من التكاتف والتعاضد بين الجميع من خلال تحالف قائم على مبادئ وأسس تضمن للجميع حياة أفضل”.
دعوة دميرتاش سبقتها بيوم واحد دعوة مماثلة من أحمد داود أوغلو رئيس حزب “المستقبل” التركي المعارض، رئيس الوزراء الأسبق، والتي عبر من خلالها عن استعداد حزبه للتنسيق مع بقية الأحزاب المعارضة في ضوء الاستعداد للانتخابات التركية المبكرة، وضمن التحرك من أجل الإطاحة بنظام أردوغان.
جاء ذلك في تصريحات صحفية أدلى بها القيادي السابق بالحزب الحاكم، السبت، خلال لقاء جمعه بعدد من أعضاء حزبه الجديد، بولاية سكاريا، غربي البلاد.
وشدد داود أوغلو على أن هذه التحركات تأتي “من أجل مستقبل البلاد وسلام الأم”.
وأكد كذلك على حاجة تركيا إلى رؤية سياسية جديدة، تعجز السلطة السياسية الحالية أن تنجح في إنتاجها كما لا تستطيع إدارة الأزمات اليومية، في إشارة واضحة إلى
تجدر الإشارة أن الحكومة التركية، تعتبر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الممثل في البرلمان التركي بـ65 نائبًا، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني.
لذلك تقوم السلطات التركية بين الحين والآخر بالعديد من الممارسات للضغط على الحزب، وأعضائه، وشملت هذه الممارسات إقالة رؤساء بلديات منتخبين تابعين له من مناصبهم تحت ذريعة “الانتماء لتنظيم إرهابي مسلح والدعاية له”، في إشارة للحزب ذاته.
ومنذ إجراء الانتخابات المحلية بالبلاد في مارس/ آذار 2019، تم تغيير رؤساء بلديات في أكثر من نصف المراكز الإدارية التي فاز بها حزب الشعوب الديمقراطي والبالغ عددها نحو 65 مركزا إداريا واستبدالهم بأوصياء.
كما تشهد محافظات شرق وجنوب شرق تركيا، ذات الأغلبية الكردية، انتهاكات أمنية كبيرة بذريعة مطاردة حزب العمال الكردستاني، حيث تشن السلطات من حين لآخر حملات اعتقال واسعة بها تستهدف الأكراد؛ بزعم دعمهم للحزب المذكور، ما يدفعهم للتظاهر بين الحين والآخر رفضا للقمع.
العدالة والتنمية يتهاوى ويفقد شعبيته
ومنذ إجراء تلك الانتخابات وحتى يومنا هذا بدأ الحزب الحاكم يفقد بشكل كبير رصيده الشعبي، لا سيما في ظل تخبط الأداء السياسي والاقتصادي للحزب، حتى زج بتركيا في أزمات اقتصادية، وسياسية لا حصر لها.
وعلى امتداد تلك الفترة بدأت تعيش تركيا على وقع سلسلة من الأزمات في كافة المجالات، ولا سيما الاقتصادية منها، أسفرت عن تردي كافة الأوضاع، وازدياد معدلات الفقر والتضخم والبطالة، وهذا ما وضح بشكل جلي خلال الأعوام القليلة الأخيرة.
كل هذه التطورات دفعت المعارضة التركية إلى التنبؤ بنهاية حقبة أردوغان في أول استحقاق انتخابي محتمل، لا سيما أن كافة استطلاعات الرأي تؤكد هذا التوجه، إذا تشير إلى تدني شعبية الحزب الحاكم بشكل غير مسبوق.
وأدى هذا التدهور إلى صدامات داخل الحزب الحاكم تمخض عنها تقديم العديد من أعضائه، من بينهم قادة بارزون، بتقديم استقالاتهم والاتجاه لتأسيس كيانات سياسية جديدة لمنافسة النظام.
ولعل أبرز من استقالوا عن الحزب، رئيس الوزراء الأسبق، أحمد داود أوغلو الذي أسس حزب “المستقبل” المعارض، وكذلك علي باباجان نائب رئيس الوزراء الأسبق، الذي أسس حزبه المعارض تحت اسم “الديمقراطية والتقدم”.
هذا إلى جانب الانشقاقات التي تتم بشكل يومي تقريبًا في صفوف الحزب، بعد أن أيقن المنشقون أن الحزب ليس لديه الجديد ليقدمه على الساحة السياسية بعد أن استنفذ كافة الفرص التي أتيحت له لانتشال البلاد من كبوتها لكنه فشل في ظل سياسات لا تلبي مطالب الشارع.
متابعة / الاولى نيوز