اميركا والعراق
الكاتب : اردلان حسن
عندما قرر المكون السني مقاومة المحتل الاميركي بعد سقوط نظام الدكتاتور في نيسان 2003 مباشرة، بعد شعورهم ان سقوط النظام هو بمثابة سقوط لهم وهو احساس صحيح الى حد ما، لم يتصوروا ان الامريكان سيأدبونهم بطريقة دراماتيكية خسروا فيها مدنهم التي سويت بالأرض وتهجير خمسة ملايين منهم في داخل العراق وخارجه، وسجن عشرات الآلاف من رجالهم ونسائهم ومحو الكثير من المعالم الحضارية والتاريخية في مناطقهم، بل انها كانت بمثابة جريمة حرب عندما سمح الاميركان بمعاونة ايران وتركيا لارهاب داعش وتسليحها لتوجيه الضربة القاضية الاخيرة للسنة وتحييدهم في زاوية ضيقة جدا، الى حد انهم مع الاكراد اصبحوا من دعاة علاقات وطيدة وعدم خروج الاميركان من العراق.
وعندما تصور الكرد ان علاقاتهم الوطيدة والوقوف مع الاميركان في حربهم ضد نظام صدام وكل اعداء امريكا في العراق بعد سقوطه، سيشفع لهم كل خطأ يفعلونه او ان الاميركان سيتفهمون مواقفهم المتباينة والمتغيرة حسب المصلحة الآنية في داخل العراق او مع ايران منافسهم في السيطرة على العراق، ولأن القيادة الكردية لا تتغير ابدا، فهي ليست احزاب بل عشائر او عوائل والسلطة تتحول من الجد للأب الى الولد وهكذا دواليك، إن لم يحدث شيء جلل في المستقبل.
هذه العوائل تصورت ان التقرب الى اميركا على حساب مصلحة الشعب الكوردي سيجعلهم بمثابة مشيخات الخليج ونسوا، أن المشيخة في الخليج لديها ثوابت سياسية وعلاقة محددة وواضحة مع الامريكان منذ اكثر من اربعين عاما وهي بالأخير دويلات معترف بها، وبمجرد ان ارادت القيادة الكردية ان تلعب دورا خارج المرسوم في دوائر السياسة الاميركية، وصل ارهاب داعش الى مشارف اربيل ولم يكتفي الامريكي بذلك فقط، بل سمح للقوات العراقية النظامية والحشد الشعبي التي كانت تأتمر بأمر قاسم سليماني آنذاك بأن تسترجع تقريبا خمسين بالمائة من الاراضي التي تسمى المتنازع عليها، القيادة الكردية نست شيئا مهما وهو أن التقرب للاميركان وهو المصطلح المهذب ل ( العمالة ) ليست سهلة في منطقة تشهد منافسة كبيرة جدا بين دولها ومنها السعودية وقطر والامارات وحتى ايران في الخفاء من اجل الظفر بدور ( العميل ).
الشيعة الذين كانوا الرابح الأكبر من سقوط صدام وبامكانهم بناء دولة ديمقراطية مستقرة سياسياً ، يضمن حقوق الكل في العيش بكرامة، لو تركوا سياسة الثأر من ظالميهم منذ اكثر من 1400 سنة كما يتصورون، اصبحوا الضحية الأكبر بفضل فساد قيادات احزابهم في بدء سقوط الصنم الصدامي ومن ثم فشلهم الكامل في ادارة البلد بشكل لائق وبعد ذلك السقوط التام في حضن دولة الولي الفقيه التي اقحمتهم في حرب طائفية كلفت العراق مئات الآلاف من القتلى ، بعد ان فجر الجنرال الايراني قاسم سليماني ضريح الامامين العسكريين في سامراء في شباط 2006، وبذلك ازدادت سيطرة ايران الاقتصادية والسياسية بعد انسحاب الاميركان في عام 2011 والتي بدورها ظلت تسيطر على الاجواء العراقية واقتصاده الحكومي الى حد بعيد من خلال حزمة قرارات بمساعدة الامم المتحدة، المنظمة التي لم تقدر ان تساعد اي بلد بدون موافقة اميركا.
الجمهور الشيعي الذي كان ومنذ بدء العراق كدولة، اكثر مكون يحب هذا الوطن ويضحي من اجله ، بقي وفياً لهذا العبث ( الموت مجانا) بفضل بعض العمائم الفقيرة بفكرها السياسي وانعدام الرؤية العقلانية الواضحة لديها، زائدا الفاسدين والطائفيين الذين ضحوا بشباب الجنوب في حروب هنا وهناك واصبحوا الآن قتلة لاخوتهم وابناءهم اليوم، الذين يتظاهرون من اجل العيش بكرامة في شوارع غير مبلطة ولا يذهبون الى المدارس التي لا توجد بها كراسي للجلوس !!
الاميركان جعلوا الشعب العراقي ان يدفع ثمن عدم تعاونه معهم غاليا بعد الاحتلال، واستطاعوا ان يجعلوا منها اقوام وطوائف وملل مستغلين بذلك الجهل المتفشي والضعف الفكري للنخبة في المجتمع ووجود عشائر تبحث عن مصالحها وتتخلى عن الكثير من ثوابتها لاجل مصلحة آنية، عدا الاستفادة من التنازلات الكثيرة والمجانية التي تقدمها المكونات العراقية منفردة وفي الخفاء للاميركان، متصورين ان ذلك سينجيهم من مستقبل مظلم، وتناسوا انهم لو توحدوا سيكونون اقوى وإذا انتشرت ثقافة التسامح، مثل ما نراه اليوم بين شباب الثورة في الساحات في كل اجزاء المجتمع، سيكون للعراق شأن آخر في المنطقة والاميركان الذين هم القوة العظمى في العالم، سيكونون مجبرين بقبول تنازلات اقل ويساهمون في بناء العراق من جديد، فلا عراق موحد وقوي وديمقراطي بدون معاونة الاميركان ومن يقول غير ذلك فهو واهم جدا، الاذكياء في العالم كله يخطبون ود الاميركان فهذا عصرهم.