الهوية العراقية وجدلية المواطنة
محمد حسن الساعدي
قد يصبح الخوض في سرد أحداث ما قبل عام 2003 مكررا، رغم انه يحتاج لسنوات لتوثيقه وتوضيح ما حصل فيه فضائع، لكن يهمنا أن نبدأ ما بعد هذا التاريخ وتغيير النظام السياسي، وحدوث تبدلات جوهرية على نظام الحكم في البلاد. منذ ذلك التاريخ وناقوس الإنذار يدق باستمرار، حول الخطر الذي يهدد الخطاب الشيعي وهويته التاريخية، والتي هي الاخرى تواجه مأزقاً تجاه المتغيرات والهويات الاخرى التي ظهرت بشكل لافت، بخلاف ما كان سائداً من أن الشيعة في العراق، سيتمتعون بأريحية عالية، خصوصاً بعد تسلط نظام استبدادي على البلاد قبل عام 2003، وقتل جميع الهويات دون استثناء، رغم تركيزه الشديد على مكون دون غيره. لقد تلاشت تلك الاريحية بعد اجتياح عصابات داعش الارهابي، وسقوط ثلث البلاد بأيدي هذه العصابات، وبروز تلك الهوية على المشهد السياسي، وبدأت تتسيد عدد من الافكار الظلامية، التي ارادت أن تمحو وجود المكونات الاجتماعية للبلاد، وعلى الرغم من الانتصار على هذه القوى الظلامية، من قبل القوات الامنية العراقية بمختلف صفوفها وتشكيلاتها، الا ان الخطاب الشيعي وتحديداً السياسي، ما زال يتحدث عن خطر مستمر يحيق بهذه الهوية. في نفس الوقت تعالت أصوات اخرى، تدعو الى ضرورة أن يكون العراق محوراً، يستند على التاريخ والحضارة والامكانات، بوصفه مهد النبوءات وشاهد على أهم الحضارات في التاريخ. ما عُقد مؤخراً في بغداد لمؤتمر الآفاق المستقبلية لاتباع أهل البيت (ع)، كان احد الخطابات المعتدلة والمهمة، والتي اكدت على ضرورة إيجاد مشروع متوازن للواقع الشيعي، يجمع بين الاصالة المبدئية والمرونة الواقعية. واقعاً يمكن عُد هذا المؤتمر من اهم الفعاليات التي ركزت على الهوية الوطنية لاتباع أهل البيت في العراق، وتحت راية مشروع شيعي عام، متاح لجميع اتباع أهل البيت (ع) للمشاركة فيه وانضاجه تحت عنوان (الوطنية الشيعية) بالاستناد على تاريخ طويل من المواقف الوطنية، تجاه القضايا الاقليمية والدولية. الهوية الوطنية الشيعية وكما تصورها الباحثون، ومنهم مشاركون في هذا المؤتمر، ركزت على ان الهوية الشيعية، لاتباع اهل البيت واحدة وهي متماسكة، تتبع منهجاً واحداً موحداً في حركتها العقائدية، وان تنوعت الاساليب التي يعتمدها الشيعة، لذلك من الضروري بناء وعي جديد، يمهد لاعادة بناء هوية شيعية تتماشى مع تطورات العصر. قد يرى البعض ان هذا يمكن ان يعد ضرباً من الوهم والخيال، وبالخصوص بعد تنامي صراعات الهوية بين الاثنيات خلف هوياتها التاريخية، والذي يبدو أنه أمر مفهوم، الا ان التخلي عن أي امل للتغيير، قد يقتل أي محاولة مستقبلية للنهوض بذواتنا من هذا المازق المأزوم والبائس.