الهاربون لا يعودون
فاتح عبدالسلام
الهروب من السجون في العراق، لا يحتاج الى تلك العبقرية الكبيرة في التخطيط والتنفيذ التي يمتلكها رجال المافيا وتجار المخدرات والسلاح في دول العالم حين يحررون زعمائهم من السجون. المسألة في العراق تبدو عادية ومتداولة وسهلة وساذجة أيضاً، فالصفقات السرية لها اشكال وصيغ وقوانين متعارف عليها بين البائع والشاري، وكل ذلك يتم امام القوانين التي لا تمتلك غالباً إمكانات الدفاع عن نفسها. وجميع الخطط تقوم على التفكير بالهروب السريع من بغداد الى إقليم كردستان، بوصفه المعبر الى دول الجوار، او انه المكان الذي يمكن التواري عن الأنظار فيه، وهي قراءة خاطئة تماماً، ذلك انّ الوضع الأمني في الإقليم الكردي منضبط ودقيق الى حد الشعرة ولا يوجد ولاءات مزدوجة ومحسوبيات على حساب الامن العام ، لذلك سيكون أي هارب من وجه العدالة في بغداد الى الإقليم الكردي قد وقع في قبضة العدالة ذاتها ، ذلك انّ العراق موحد، والمؤسسات متكاملة ما بين المركز والاقليم، وانّ المرحلة الضبابية في السنوات الثلاث الأولى بعد احتلال العراق قد ولّت الى الابد.اعتقاد الكتل السياسية والأحزاب والشخصيات انها من خلال ازدواجية الأدوار التي تزاولها تستطيع ان تلعب في موقع الحرامي والحامي معاً، هو الذي يمنحها الشعور بأنّها مطلقة اليدين في المساحة المطاطة التي تحلق فوق القانون او يخيل إليهم انها تحلق هناك.مسلسل الهروب من السجون ليس جديداً، ولن تكون له نهاية قريبة إذا استمر الموهومون في الظن انهم قادرون على الإفلات من العقاب دائماً.هناك اقطاعيات سياسية لها نواميسها وقوانينها الداخلية التي تتسع لتبرير جرائم الفاسدين ومن ثم توفير حمايتهم وتهريبهم، حتى لو كانوا على قائمة العقوبات الامريكية.يد الحكومة ليست ضاربة حتى الآن كما ينبغي، ولابد من مكاشفة الجهات السياسية التي تحمي الفاسدين من ان بديل القانون هو الفوضى التي لن ترحم أحداً. كأنّ ما يجري هو انّ حدث الهروب بمثابة اعلان عن طي ملف قضية جرى تسويتها في الكواليس السياسية المظلمة، لذلك فإنَّ الهاربين لا يعودون.