النظام الرئاسي في العراق..الوجه الآخر للدكتاتورية!!
حامد شهاب
منذ أكثر من عام، وأنا أتابع بإهتمام بالغ ، دعوات أقل ما يقال عنها أنها ” شيطانية ” كنت قد حذرت في مقالات مطولة من مخاطرها على الوضع العراقي برمته، ومن مخاطر الإنزلاق الى ترويجاتها الخبيثة ، من خلال دعواتها الى إعتماد “النظام الرئاسي” في العراق!!لقد أدرك دهاقنة وكبار ساسة العملية السياسية ، ومن هيمنوا على مقدراتها، أن المصلحة تقتضي (الإنقلاب) على العملية السياسية ، التي هم من جاءوا بها مع المحتل الأمريكي، ورضوا بها وعدوها من ” المقدسات” من خلال الترويج هذه الايام لـ ” بدعة” جديدة وهي إقامة ” نظام رئاسي” في العراق ، يعيد لهم هيمنتهم من جديد ، ويتسنى لهم إطالة عمر حكمهم الفاشل، بالترويج بين آونة وأخرى لتغيير النظام السياسي العراقي من “برلماني” الى “رئاسي”، وهي دعوات أجد فيها ، غاية في الخطورة، تستهدف إلغاء مكانة وهوية ووجود مكونات عراقية أصيلة، كان لها الريادة في حكم العراق، وهي من وضعت لبنات الدولة العراقية وحافظت عليها الى عهود طويلة، بمشاركة كل المكونات العراقية بلا تمييز ، ولم تكن هناك أغلبيات أو أقليات، بل كلهم عراقيون أصلاء، حافظوا على شرف العراق والعراقيات، حتى جاء الاحتلال الأمريكي، لينهي دورهم العراقي العربي الوطني الأصيل ، والعمل على تسليم مقدرات البلد لمن أساءوا الى مقدرات شعبه وأوصلوه الى هذا القاع الرديء ، من التردي والانحطاط والتدهور، وضياع مستقبل العراقيين ، وضاعت بالتالي سيادة بلدهم وهيبته، ولم يبق له قيمة في المجتمع الدولي، بعد إن نخروه ونهبوا ثرواته وسلموها للأغراب على طبق من ذهب، وها هي خزينة الدولة خاوية، وكل واحد منهم ، أدى دوره في إيصال العراق الى حافة الإفلاس، بالرغم من أن بلدهم يمتلك ثروات، بأمكانها أن تبني وتعمر حتى دول مجاورة، وليس العراق فقط!!ويؤكد خبراء وسياسيون عراقيون مخضرمون أن (النظام الرئاسي) في العراق الذي يدعو اليه (البعض) ويروج له بعض السياسيين ، يعد الوجه الأكثر عودة للدكتاتورية وشكلا آخر من أشكال الإستبداد والطغيان والهيمنة ، يراد له أن يعود الى العراق!!وكنت قبل عام مضى قد حذرت في مقال سابق تحت عنوان : ” مخاطر النظام الرئاسي في العراق” ، واوضحت فيه أنه عهد جديد من (الهيمنة) ووجه آخر للدكتاتورية والاستبداد ، يراد لها أن تعود حكمها الغاشم بشكل أكثر بشاعة، بعد ان فشل سياسيو العملية السياسية في تقديم نظام سياسي مقبول، ووجد (البعض) أن أفضل طريقة للهروب الى الامام والتخلص من نقمة الشعب هو الدعوة الى إقامة نظام رئاسي في العراق، وهم يحاولون تحميل (النظام البرلماني) الحالي تبعات الفشل والاخفاق ، متغافلين أنهم أنفسهم كانوا ادوات هذا الاضطهاد والفساد الذي نخر الجسد العراقي وأحاله الى كهل ليس بمقدوره الوقوف على قدميه!!لكن ما شجعني على العودة الى الكتابة عن هذا الموضوع الحيوي مرة أخرى هي حوارات في غاية الأهمية توافقت مع رؤيتي هذه ، طرحها خبراء ومخضرمو سياسة من أبرزهم السياسي المخضرم المستقل والنائب السابق الاستاذ حسن العلوي ، والسياسي والباحث المستقل الأستاذ نديم الجابري اللذين أوضحا في حوارات تلفزيونية ، تحدثت قبل فترة عن تأثيرات ومخاطر طروحات النظام الرئاسي في العراق، مشيرين الى انه يعد نوعا آخر من العودة الى أساليب الاستبداد والدكتاتورية ، وهو حالة هروب الى الأمام، من وجهة نظرهم ، بسبب ما آلت اليه العملية السياسية في العراق من فشل ذريع واخفاقات مريرة، صب عليها العراقيون جام غضبهم ، وهم يلعنون ايامها السود التي حولت ايام العراقيين الى ليال حالكة!!وهنا يؤكد السياسي والنائب السابق الأستاذ حسن العلوي: إحذروا النظام الرئاسي فانه يورث الاستبداد ، وهو أسهل الطرق الى الدكتاتورية، مشيرا الى ان النظام البرلماني الذي يدعو له البعض من السياسيين يبقى هو الافضل، كونه يوفر فرصا للمكونات العراقية ان يبقى لها وجود مؤثر داخل العراق، أما النظام الرئاسي فهو عودة الى النظام الدكتاتوري ووجه آخر للاستبداد ينبغي الحذر منه وعدم الوقوع في حباله مرة أخرى، فقد تجرع العراقيون منذ الخمسينات مرارة النظام الرئاسي ، وعانوا ما عانوا في كل العهود من عدم وجود قادة حقيقيين يعبرون عن طموحاتهم في ان يتوفر لهم الامن والسلام والعيش الكريم!!أما الخبير والباحث والسياسي المستقل نديم الجابري فقد أوضح في حوار تلفزيوني مخاطر المطالبة بعودة (النظام الرئاسي) في العراق ، مشيرا الى أنه (محاولة هروب) من بعض السياسيين الفاشلين ليعودوا الى الحكم مرة أخرى ، وهو شكل آخر من الإستبداد والدكتاتورية ، ويعد رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي اول من طالب كثيرا وألح على المطالبة بإقامة نظام رئاسي في العراق، وهو يعيد اثارته هذه الأيام من جديد ، ويطرح مبررات دول أخرى تعتمد أنظمة رئاسية أخرى في تركيا او الولايات المتحدة ودول اخرى ، ظنا منه أن بأمكانه أن (يهيمن) مجددا على القرار العراقي ويضعف بكل تام دور الرئاسات الثلاث، بحيث لايبقى سوى رئيس الجمهورية الذي سيجري انتخابه من له السلطة والكلمة العليا في الاستحواذ على مقدرات البلد ، وهو مايزال حتى هذه اللحظة يدعو اليه عبر مختلف أشكال الترويج الدعائي وفي مناسبات كثيرة، محاولا استغفال عقول كثير من البسطاء والفقراء من أن اقامة نظام رئاسي في العراق هو الحل الامثل ، دون أن يدرك الاخرون أنه مجرد (محاولة) للعودة مرة أخرى الى كرسي السلطة الاول وتحت واجهة أخرى هي النظام الرئاسي، وهو يعد النظام البرلماني (تكبيلا) لسلطة رئيس الوزراء والحيلولة دون تفرده بالقرار ، وهم حلم بقي المالكي واعضاء ائتلاف دولة القانون يطرحونه بإستمرار وحركوا الشارع لفترات طويلة واقاموا تظاهرات تطالب به، بعد ان وفروا لهم الدعم، عل بمقدوره أن يعود الى واجهة الحكم كرئيس للبلاد مرة أخرى في العراق!!ويخلص كل من الجابري والعلوي وأغلب سياسيي العملية السياسية نفسها ممن عانوا من مآسيها وويلاتها، الى أن العملية السياسية فشلت في كل صورها، وان الافضل للعراقيين هو إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي ، يحترم تطلعاتهم ومكوناتهم جميعا بلا تمييز في إطار محيط عربي، يعيد للعراق وجهه العربي الاصيل، ويكون دوره مؤثرا وفاعلا، وهو يمتلك من الكفاءات العراقية المقتدرة ما يمكنها من قيادة البلد الى شاطيء الامان!!إن واحدة من المخاطر التي ينجم عنها النظام الرئاسي الذي يصر ساسة مهيمنون أو يريدون أن تبقى هيمنهم الطائفية على مدى عقود وسنوات مقبلة، لإنهاء مكونات أخرى عراقية أصيلة، ولها دور تاريخي على مدى حقب تاريخية طويلة ، لكي يتم الان (الاستفراد) بها، والعمل على سلبها ارادتها تحت (دعوات الأغلبية) التي تمارس طغيانها وتحكمها الان بسلطة القرار ولا تترك للمكونات الأخرى حق أن تعبر عن وجودها وهويتها ، والعمل على اذابتها والقضاء عليها تحت نهج التغيير الديموغرافي الطائفي، لسلخها عن انتمائها والعمل على محو هويتها ووجودها العربي الأصيل والحاقها بالامبراطورية الإيرانية، وهو مايجب الحذر منه، والتحذير من الانزلاق الى أهدافه التخريبية المضللة والمراوغة، لفرض هيمنة “الأغلبية الدكتاتورية” على باقي المكونات العراقية التي لها جذور ضاربة في العمق العراقي، وهي من كانت لها الأغلبية، التي لم تستخدمها لأغراض إستعباد الآخرين وسلخ انتائهم العروبي الإسلامي الأصيل.ولو كان العراق يمتلك ملامح الدولة ومقوماتها ، وان تركيبة شعبه متجانسة ، وعلى شاكلة دول اخرى ، وكما كانت في العراق قبل ثلاثين عاما، ولم تحتكم الى الاجواء الطائفية والمذهبية البغيضة، ولو كانت النوايا (عراقية) حقا، لكان في الأمر وجهة نظر، لكن في ظل عراق تستبيحه الطائفية والمذهبية ، ورموزه هم أنفسهم من يعودون مرة ثانية الى الواجهة ، لتسليم ما تبقى من العراق الى من إرتضوا الوقوع في أحضانهم، فإن الحديث عن ” نظام رئاسي” يصبح أشبه بالضحك على الذقون، وقد يرفضه قطاعهم الشعبي نفسه الذي لم يجن منهم سوى الويلات والنكبات والالام، وهو يتمنى الان أن يأتي ” أجنبي” يحكم العراق ، بدلا من أن يتحكم هؤلاء الذين أذلوه ، وتتم إعادة “تدوير نفاياته “مرة اخرى، تحت دعوات مضللة ومراوغة وخبيثة، هم أنفسهم لايؤمنون بها، لأنهم يدركون أن سلعتهم أصبحت كاسدة وبائرة، ورائحتها نتنة تزكم الأنوف، ولا أحد يشتريها، كون سلعهم الكاسدة وافكارهم التي تشجع على الكراهية والبغضاء والإنتقام من الآخر ، أصبحت كلها مغمورة بالفساد والرذيلة ، من رأسها حتى قدميها!!هذه بإختصار تحذيرات من أعلى المستويات من مخاطر عودة الاستبداد والطغيان والدكتاتورية ينبغي توضيحها للرأي العام العراقي، للتذكير بمخاطرها وما يجري بشأنها من محاولات (إستغفال العقول) لعودة أجواء التسلط والاستبداد والدكتاتورية ومحاولة للهيمنة على مقدرات البلد ورهنها لدول اقليمية لاتريد الخير للعراق بل تضمر له الشر والضغينة، وهي من تشجع كل طامع يحقق لها سعيها للهيمنة على مقدرات العراق مرة أخرى!!إحذروا النظام الرئاسي، فهو الخديعة الكبرى التي إن قبلتهم بها، في تلك الظروف العصيبة ، وضياع سيادة البلد وهيبته، وإستقلاله ، وتبعيته للآخر، فلن تجد بلدا إسمه العراق، بعد اليوم..والله المستعان على ما يصفون!!