النساء والطفولة والخيال المريض
فاتح عبدالسلام
في الحروب، وما اكثرها في العراق منذ ثلاثة عقود، وحتى اليوم، ولا ضمانة من عدم تكرارها، عبر اشكال ومستويات واقنعة مختلفة، كانت مشاكل النزوح والتهجير القسري والاغارة على التجمعات المدنية غير المحمية، السبب الرئيسي الذي استهدف استقرار مئات وربما آلاف الأسر العراقية، وكانت النساء والأطفال أولى الضحايا، وهذا يعني ان قلب المجتمع كانت مرمى السهام القاتلة.
انتهت آخر الحروب الكبيرة بعودة الحياة الطبيعية الى خمس محافظات، هي نينوى وصلاح الدين والانبار وديالى وكركوك، كانت، كليا أو جزئياً، تحت حكم داعش عدة سنوات. غير أنّ خطوات إعادة بناء حياة الانسان من مرحلة الطفولة والشباب لم تتواكب مع حملات هنا وهناك لإعادة الاعمار في المباني والشوارع.قامت الأجهزة المختصة وبعضها أمني في إقليم كردستان وبقية مدن العراق ذات الصلة، بتنظيم دورات إعادة تأهيل الأطفال الذي كانوا في قبضة تنظيم داعش وخضعوا لغسيل أدمغتهم وانخرطوا في اعمال عنف أو كانوا قريبين منها، لكنها دورات غير كافية، ولا توجد معلومات عن جدواها وحصيلة نتائجها وما يمكن أن يتأسس عليها. كما ان حجم الطفولة المتضررة في المجتمع كان أكبر بكثير من عدد محدود من الأطفال الذين جنّدوهم قسراً. ما نحتاجه هو التوسع في فتح رياض أطفال في جميع المدن عبر برامج مدروسة، والتركيز على استقبال الأطفال الايتام ومعظمهم من ضحايا الحرب الأخيرة، وأن يكون هناك دعم واسع من الدولة في الفعاليات والنواحي المادية والصحية ودعم عوائل الايتام عبر معاينة أوضاع أطفالهم، وعدم تركهم لتوجيه جمعيات ومنظمات وأحزاب تدعي العناية بذوي ضحايا الحروب، لكنها في الحقيقة تمارس دوراً تعبوياً منحازاً عبر أجندات خاصة، قد تفضي من جديد الى الانغلاق والتعصب والكراهية، ليقع المجتمع في ضائقة جديدة.لابدّ من استحداث هيئات وتشكيلات حكومية تفرزها بعض الوزارات ذات العلاقة المباشرة من اجل الإحاطة بهذا الموضوع، فلا يمكن أن تكون الأمور سائبة في المدن المحررة أو سواها أيضاً.سبق ان تحدثت بشأن هذه القضية الأساس في إعادة تكوين المجتمع، وسأعاود متابعتها ما استطعت الى ذلك سبيلاً، بالرغم من يقيني في انّ المشهد السياسي الحالي أو في المنظور القريب، لا يتوافر على أية خطط استباقية واستراتيجية لبناء المجتمع العراقي كوحدة متكاملة، وما يجري هو تعبئة سياسية لفئات وجماعات تنتظر فرصاً غامضة تدور في خيالها المريض.