الموظفون .. هل تحولوا إلى ( عورة ) النفقات ..؟!
باسل عباس خضير
ليست هي المرة الأولى وليس من المتوقع بأنها ستكون الأخيرة ، فكلما مرت الدولة او الحكومة بأزمة نقدية او مالية تتعلق بأزمة دفع رواتب الموظفين ، إلا وخرج لنا متحدثا ليقول إن الموازنة ستكون غير قادرة على تغطية رواتبهم إلا لأشهر محدودة ، ففي خضم الأزمة الحالية التي تشهد انخفاضا بأسعار النفط نظرا لانخفاض الطلب ووفرة المعروض وتوقف الإنتاج في بعض شركات او قطاعات الدول كرد فعل عن انتشار الإصابة بفيروس كورونا ، فقد نشر تقرير لمستشار اقتصادي في الدولة جاء فيه ، إن المعدل العام لخدمة الموظف ( الإنتاجية ) هي 15 دقيقة في اليوم!! بينما يجب أن تكون 8 ساعات ، بمعنى إن كل 32 موظف في الدولة يعملون عمل موظف واحد فقط ، وان رواتب 32 موظفا تقريبا تساوي 32 ألف دولار وكان يجب أن ندفع ألف دولار فقط لقاء 8 ساعات عمل ( إنتاجية حقيقية ) ، فإذا كان عدد الموظفين 4 مليون موظف سينتجون لنا في اليوم الواحد مليون ساعة عمل فقط لأنهم يعملون 15 دقيقة في اليوم ، ولو كان عندنا موظف يعمل بإنتاجية 8 ساعات فعلية فسنحتاج فقط 125 ألف موظف لنصل إلى مليون ساعة عمل ، ولأن 8 ساعات إنتاجية صعبة ولنقل تكفي 4 ساعات إنتاجية يوميا ، فنحن نحتاج إلى 250 ألف موظف لإنتاج مليون ساعة عمل يوميا ، وإذا كانت 4 ساعات عمل صعبة ونحتاج إلى ساعتين إنتاجية فقط للموظف في اليوم ( وهذا سهل وممكن ) إذن سنحتاج إلى 500 ألف موظف فقط ، وعليه فإن 500 ألف موظف في العراق كافية جدا لإدارة البلد بشرط عمل ساعتين منتجة يوميا لتحقيق مليون ساعة عمل منتجة على مستوى العراق ،هكذا تدار الدولة بالإدارة والأرقام وهكذا لو وصل النفط إلى أي رقم فيمكن توفير رواتب الموظفين والخدمات .
ونسال السيد المستشار ( الذي يجيد فعلا لعبة الأرقام ) ، هل تم تقديم استشارتكم بخصوص الأثر الذي تحدثه نفقات الوظيفة إلى المعنيين لمعالجة الخلل الذي تتحدثون عنه ، كونه خلل ليس وليد اليوم بل إن الجميع يعرفونه ويصفقون له بدليل التصويت عليه سنويا في الموازنات الاتحادية ، ولماذا يتم التعامل مع الموظفين ورواتبهم وكأنهم (عورة ) في حين إنهم من أهم الموارد لو تم استخدامهم واستثمارهم بالشكل الصحيح ، وان ال4 ملايين إنسان ( الذين يعادلون سكان دولة ما ) من الممكن أن يحولوا البلد إلى واقع أفضل ربما يقترب لما يطمح له المخلصين في بلوغ مستويات اكبر الدول في التقدم والبناء والعمران لو توفرت الإرادة والإدارة في توجيههم وتحفيزهم واستثمار طاقاتهم بالشكل الصحيح ودليلنا بذلك ما يحققه عراقيو الخارج من انجازات ، فاليابانيون نفضوا غبار الحروب وأصبحوا بما هم عليه اليوم بعد أن عولوا على الموارد البشرية لأنهم لم يكونوا يمتلكون الطاقة ولا المعادن ولا رؤوس الأموال ولكنهم اعتمدوا طريقتهم في التقدم والرقي من خلال جهد وفكر الإنسان ، وان ارتفاع عدد الموظفين ليصل إلى الأرقام التي ينم تداولها لا تعود كل أسبابها إلى الموظفين ، لأنها نتيجة حتمية للتخطيط غير السليم و التعيينات العشوائية وتغييب مجلس الخدمة الاتحادي وعدم الالتزام بأية معايير في التعيين ، فأكثر الموظفين عددا تم تعيينهم بعد 2003 اذ تحول التعيين إلى ( نعمة ) ووسيلة آمنة للمعيشة بعد أن كان نقمة للإنسان نظرا لما تعنيه الوظيفة العامة من تقييد في الحصول على الأرزاق وما تمليه من شروط وإذعان ، ولعل هناك من يتذكر بان الموظف الذي كان يترك العمل والخريج الذي يرفض التعيين المركزي تحجب عنهم الحصة التموينية وتطاردهم أجهزة الأمن لمنعهم من العمل في غير القطاع الحكومي ، والأرقام التي يعيرونا بها بخصوص عدد الموظفين كانوا يعدونها في يوم ما منجزا بعد زيادة الصادرات وأسعار النفط وتعاظم الإيرادات بعد عام 2003 ، ولكنها سرعان ما تظهر نتائجها ( السلبية ) عند انخفاض الطلب العالمي او هبوط الأسعار او عند الدخول بأزمة تهدد البلاد .
وان من واجب المنصفين ، الإقرار بان معظم الثروات البشرية من الموظفين لم يحسن اختيارهم وتشغيلهم لتحقيق الإيرادات والمنافع بالشكل المطلوب الذي يتناسب مع القدرات الفعلية لأغلبهم ، بعد أن تم تعطيل اغلب قطاعات الإنتاج واعتماد البلد على الاستيراد لسد الاحتياجات ، وهذا الموضوع لا يخلو من أغراض وأهداف واضحة للعيان غاياتها إبقاء البلد اعتماديا على الدول الأخرى التي عملت على استنزاف وابتزاز ثرواته بمختلف الأعذار ، بحجة عدم فسح المجال للعراق في امتلاك ناصية العلم والإنتاج لكي لا يعود عدوا للجيران والاقارب والغرباء كما كان أيام زمان ، ولا نحتاج إلى الحلفان للتصديق بهذا لان البلد لم يخرج من الفصل السابع بشكل كامل لحد اليوم ، ونشير بهذا الخصوص إلى إن أرقام عدد الموظفين تتغير يوميا في تصريحات المصرحين فتارة تكون 7 ملايين وتارة أخرى يقولون إنهم 3,5 مليون ، دون أن يفهم بعض المتلقين هل إن العاملين في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وفي الرئاسات الثلاثة والهيئات المستقلة والدوائر غير المرتبطة بوزارة والعاملين في إقليم كردستان تندرج ضمن عدد الموظفين او خارجهم التي تعلن أعدادها في التصريحات ، وفي كل الأحوال فان سياسات الحكومة بخصوص الموظفين غير واضحة فقد تحولت إلى طاردة لهم بموجب التعديل الأول لقانون التقاعد رقم 26 لسنة 2019عندما أحالت 250 إلف موظف إلى التقاعد رغما عن رغباتهم ، ولكنها تتخذ دور المنقذ عندما تبشر بتعيين أكثر من 400 ألف موظف عند إقرار موازنة 2020 وتحويل الإجراء والمؤقتين إلى دائميين ، وهو ما يستدعي الطلب من المصرحين بان يراعون كرامة ومشاعر المستهدفين كونهم مواطنين لم يرتكبوا ذنبا محددا عند التحاقهم بالوظيفة العامة ، وان كفاءة الإدارات هي السبب في انخفاض إنتاجية غير الفضائيين وان الشجاعة تقتضي مواجهة الحكومة بما يجب اتخاذه من قرارات ، فالحكومة لا تزال تسعى للتعيينات مما يدل إن الرواتب ليست ( عورة ) مادام منهج تحويل الدولة لأكبر معيل اجتماعي قائما رغم الازمات .