الموازنة ومبادئ العدالة والعيش المشترك
الموازنة ومبادئ العدالة والعيش المشترك – محسن القزويني
قامت العلاقة بين مكونات الشعب العراقي على اربعة مبادئ هي :اولا: إنّ كل فردٍ من ايّ مكّون هو مواطن عراقي له وعليه ما حددّه الدستور العراقي من حقوق و واجبات وهو لا يمتاز على اي فردٍ آخر الا من خلال الدستور ، فالكل سواسية كاسنان المشط امام القانون و الدستور.ثانيا: إنّ مصلحة الوطن هي فوق المصالح الفئوية والحزبية ، ولا يحق لاحدٍ الاستئثار بالمال العام دون الآخرين ، لان اي اسئثار سياتي في قبال حرمان الآخرين كما قال سيد البلغاء ” فما جاع فقيرٌ الا بما مُتّع به غني والله تعالى سائلهم عن ذلك” فمطالبة اي مكّون بزيادة على حصته هي بمثابة تجاوز على حقوق الاخرين ، و هو نقضٌ لمبادئ العدالة .فرفاهية الوطن من رفاهية الجميع فوجود الحرمان في الجزء سيترك آثاره على الجميع.ثالثا: التعايش السلمي بين مكونات الشعب التي تشكّل نسيجا واحدا مترابطا لا يمكن فصل مكّونٍ عن آخر لوجود عوامل التوحّد والتكامل بين هذه المكونات التي آلت على نفسها ان تعيش بامن وسلام على رقعة الجغرافية العراقية. فأي اعتداء من مكون على حق مكون آخر سيؤدي الى انهيار مبدأ التعايش السلمي الذي يقتضي حل المشكلات و الخلافات بين المكونات على اساس الحوار والتفاهم وصولا الى الحلول الناجعة ، وليس استخدام اسلوب المهاترات والتهديد الذي يضُر بالمصلحة العامة.ارتقى منصبرابعا: إن كل فردٍ من مكونٍ مهما علت رتبتهُ وارتقى منصبه لا يعبّر الا عن نفسه وليس عن مكونه. فكل ما يقوله او يفعله او يصرح به لا يمثل الا نفسه كما قال تعالى ” وكل انسان الزمناه طائره في عنقه”ولا يجوز الاحتجاج بقوله او فعله انه فعل وقول المكون . ومن هنا فايُ تصريح من سياسي هو مسؤول عن نفسه وليس مكونه او قومه او مذهبه ولا ينعكس ذلك على موقف المكون ولا اثر لتصريحاته على علاقة مكّونه مع المكونات الاخرى التي آلت على نفسها ان تعيش على ارض الوطن متآخية متعاونة لتحقيق اهداف مشتركة يحقق لها ما تصبوا اليه من حياة كريمة قائمة على العدل والمساواة.وعلى هذه المبادئ الاربعة عاش العراق منذ 2003 متضامنا متحدا يدا بيد في مواجهة التحديات سواء كانت سياسية او اقتصادية بروح واحدة واهداف مشتركة . وقد شاهدنا كيف توحّد الشعب العراقي بجميع فئاته و مكوناته في مواجهة داعش الذي احتل ثلث مساحة العراق ، و تجاوز على جميع ابناء الشعب العراقي من مختلف مكوناته و شرائحه واديانه و مذاهبه . فقد قام جميع ابناء الشعب لاداء واجبهم الوطني ، فقد هبّ ابناء الجنوب والوسط لنصرة ابن الشمال تاركا الغالي والنفيس مضحيا باسرته و شغله و ابنائه من اجل اخوته في الموصل وصلاح الدين والانبار ضاربا اروع مثلٍ في التضامن الوطني.ومرة اخرى عندما عصف وباء كورونا البلاد و توقفت الحياة في جميع المحافظات . وجدتَ الانسانَ العراقي يتقاسم الطعام والدواء والاوكسجين بينه وبين اخيه العراقي الاخر .لقد اثبتّ الشعب العراقي خلال تاريخه المعاصر انه شعبٌ واعٍ يدرك معنى الوطنية ، وانه شعبٌ مسؤول يعرف معنى المواطنة و ما عليه من التزامات تجاه المواطن الاخر الذي يعيش على هذه الارض المقدسة بغض النظر عن دينه وقوميته و لغته ولونه وانتمائه العشائري او المذهبي.فكان على السياسيين ان يتصلوا بهذا الشعب و ياخذوا منه درس الوطنية وحب المواطن ويكونوا على قَدَرِ المسؤولية .عليهم ان يدركوا ان الشعب العراق يريد التعايش لا الفرقة.وانه يريد الخير لجميع ابنائه ، يريد ان يتنعم الجميع بخيراته بصورة عادلة ومساوية لا فرق بين كردي و عربي ولا شمالي و جنوبي بدون تعالي ولا تمايز مكون على مكون آخر.و على السلطات أن تعبّر عن هذه الاهداف و الاماني لانها جاءت لخدمة الشعب.و على محلس النواب اليوم ان يحتكِم الى تلك التطلعات الشعبية وان يُركز كل جهده على ترجمة تلك الاهداف في مواقفه وقراراته ، ومنها الموازنة التي باتت محل اَخذ وردٍ لا نقول مساومات و صفقات مع حسن الظن بنواب الشعب الذين يواصلون الليل بالنهار لاقرار هذه الموازنة، ولو انهم اتبعوا المبادئ التي ذكرناها لما احتاجوا كل هذه المدة الطويلة في المناقشات المريرة و لم يحمّلوا الشعب هذا الانتظار الطويل في اقرار الموازنه ، فكل يوم يتاخر فيه مجلس النواب عن اقرار الموازنة سيحسب من حياة الشعب ويزيد من معاناته معاناةً مضاعفة ، فمتى يعي المجلس هذه الحقيقة ويضع المصلحة العامة فوق كل المصالح ، خطاب للجميع وليس لكتلة دون اخرى.