المنهاج الوزاري وغلواء الاختلاف!!
مازن صاحب
ما بعد نظرية الدكتور علي الوردي عن ازدواجية الشخصية العراقية ما بين البداوة والتحضر، يبدو ان عراق مفاسد المحاصصة انتهى الى نموذج جديد من غلواء الولاء للأجنبي لأسباب عقائدية ربما او مصلحية شخصية او حزبية، حتى بات هذا الولاء خارج السياق الدستوري ، اقرب مثال على ذلك رفض الإسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد للسيادة الوطنية واعتبار ان الأقرب لهم في الولاء من يتطابق مع تفسيرهم العقائدي ، فتمظهر البعض بالدفاع عن ” ولاية الفقيه” اكثر من أي قيادي في الدولة الإيرانية ، كما يفعل ذلك من يبايع الأجنبي، شيشاني او أفغاني على السمع والطاعة في خلافة مزعومة !!
كما يفعل ذلك من يدافع عن نموذج المثلية الجنسية باعتبارها تطبيقا لحرية الانسان، او يدافع عن التطبيق الغربي للديمقراطية أكثر من أي عضو في الكونغرس الأمريكي، كل هذه النماذج تتعارض مع منطق العقد الاجتماعي الدستوري الذي يمنح دولة العراق مثلث الاعتراف بالسيادة في وطن وشعب وحدود دولية معترف بها، وعلى الرغم من كل مظالم العولمة والتقدم التقني في تداول المعلومات، الا ان أي دولة تحترم سيادتها تضع الخطوط الحمراء كفاصل قانوني لغلواء الولاء للأجنبي او مفاهيمه ومعتقداته وانعكاساتها السلبية على سيادة الدولة في امنها القومي القائم على تعريف موحد معترف به قانونيا لمن هو العدو والصديق بما في ذلك تطبيقات المفاهيم على الواقع الاجتماعي والاقتصادي الوطني .
هذه المقدمة الطويلة اسوقها قبل الحديث عن غلواء الاختلاف التي تسود هذه الأيام مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات النقاش في الواتساب عن اليات الالتزام بتطبيق ما ورد في الاتفاق السياسي ضمن المنهاج الوزاري لحكومة السيد محمد شياع السوداني، لاسيما في فقرات أدرجت عن الالتزامات المطلوب تنفيذها من قبل الشركاء في تحالف إدارة الدولة من قبل الاطار التنسيقي ذي الأغلبية البرلمانية ، لذلك اعتقد ان هذه الغلواء المبرمجة يمكن ان تهدد اصل الاتفاق في تحالف إدارة الدولة واحالة الأمور من جديد للاتفاق تحت قبة البرلمان ، ومغادرة حالة التصفيق من نواب الاطار التنسيقي لإعادة انتخاب السيد محمد الحلبوسي مرة أخرى لرئاسة مجلس النواب !!
كلما تقدم يؤكد، من وجهة نظر متواضعة على:
أولا: ما زالت الأحزاب التي ثقفت جمهورها على أفكار معارضة الدولة وتبدو غير قادرة على الاتيان بثقافة دعم بناء الدولة، حتى بات نموذج إدارة الجهاز الحكومي بنظام مفاسد المحاصصة يحصر هذه الثقافة في رموز شخصية وخطوط حمراء عقائدية، حينما تقارن مع فن إدارة الحكم تبدو جرائم دستورية.
ثانيا: الكثير ممن يقدمون أنفسهم كنخب وكفاءات مثقفة يسارعون لنقل البندقية من كتف الى اخر بسرعة تحول الموقف الحزبي، حتى تبدو الذاكرة السياسية لهذه النخب مثل ذاكرة السمك فيما ” العم غوغل” سبق وان وثق الكثير من تفسيراتهم لمواقف احزابهم ومنها ما يتعلق برفع قيمة الدولار مقابل تخفيض قيمة الدينار، فيما يتباهى جمهورهم بالمنافع الوظيفية التي يحصلون عليها وليس إشاعة ثقافة دعم بناء الدولة ما دام الجهاز الحكومي قد ضمن حصتهم من مفاسد المحاصصة وليس في ذلك حصة في معيشة المواطن غير المتحزب.
ثالثا : يكثر الحديث عن أهمية النظام البرلماني لحكم دولة مثل العراق متعددة الطوائف والاعراق ، والشراكة في هذا الحكم ما بعد كل انتخابات تشريعية تتوقف عجلة الزمن عند إمكانية التوصل الى اتفاق سياسي ، ولكن سرعان ما يتم التملص من هذا الاتفاق ، ويتطابق القول المأثور كل امة تلعن التي قبلها ، مما أدى ويؤدي الى هدم اركان الدولة ،حتى بات التهديد بهدم معبد العملية السياسية برمتها ووصفت حكومة السيد السوداني بكونها حكومة الفرصة الأخيرة ، فهل غلواء الاستهزاء بإمكانية تنفيذ الاتفاق السياسي في منهاج هذه الحكومة مقدمة لهدم هذا المعبد ؟
رابعا: هناك مسؤولية وطنية مكلف بها كل من يكتب وينشر في التصدي لهذه الغلواء، لان تزايد الأفعال الكلامية الهوجاء يمكن ان ترد بعواصف من فرقاء تحالف إدارة الدولة تجعل حكومة السيد السوادني في مهب رياحها، وأتمنى ان تكون لقيادات الأحزاب في الاطار التنسيقي كلمة واضحة ومفهومة في أهمية الالتزام بما ورد في هذا الاتفاق السياسي، لان خلاف ذلك سيكون العراق مجرد تاريخ بلا جغرافية ….ويبقى من القول لله في خلقه شؤون !!