المنافذ الحدودية.. مهمة الكاظمي بين الاصلاح والمواجهة
د. نبراس المعموري
اثيرت في الاونة الاخيرة قضية المنافذ الحدودية للعراق والتي تقدر باكثر من 20 منفذا بريا وبحريا، عدا المنافذ الجوية، يقدر الذي يعمل منها ب 9 منافذ كانت ضمن ورقة الاصلاح التي اثارتها حكومة الكاظمي مؤخرا، بعد تفشي ظاهرة الفساد التي سجلتها الجهات المعنية بعد ارتفاع الازمة الاقتصادية ونسبة الفقر التي حققت اعلى معدلاتها هذا العام خاصة بعد انتشار وباء كورونا و تسجيل خسارة اكثر من 8 مليار دولار سنويا بسبب الفساد المالي والاداري المستشري في المنافذ الحدودية هذا عدا منافذ إقليم كردستان.
الاموال التي تهدر بسبب الفساد في المنافذ يمكنها أن تساهم بشكل فعال في إنعاش الميزانية العراقية التي ما زالت تراوح في اعتمادها الرئيسي على قطاع النفط والاخير شهد تراجعا واضحا بسبب تذبذبات اسعار السوق و ساهم في ارتفاع الازمة الاقتصادية التي تتطلب حلول عاجلة.
تعددت اشكال الفساد تعددت في المنافذ الحدودية من بينها دخول البضائع المهربة أو الممنوعة والمحرمة دوليا ، عدا السلع المعفية جمركيا، مما يؤدي إلى انخفاض العائدات المالية بسبب عدم الالتزام بضوابط التعرفة الجمركية من قبل المسؤولين في المنافذ٬ اضافة الى حالات الابتزاز و “الاتاوات” التي تفرض على بعض التجار، كما أن بعض الموظفين يقدمون على تعطيل أجهزة السونار واعتماد الحساب اليدوي لتمرير بعض البضائع والتلاعب في الحسابات.
وبالرغم من وجود عشرات الدلائل والإعترافات بضلوع جهات في عمليات الفساد التي تشهدها المنافذ الحدودية؛ إلا أننا لغاية الان لم نشهد حالة تحقيق امام الرأي العام تكشف تلك الجهات و ما تقوم به، والسبب هو امتلاكها النفوذ مما يجعل عملية مواجهتهم أو تقديمهم للقضاء صعبة اضافة الى التنسيق ضمنيا للضرب بيد من حديد على كل من يحاول كشف هذه الملفات أو عرضها أمام الرأي العام.
زيارة الكاظمي لبعض المنافذ كانت رسالة واضحة لتغيير واقع مرير من خلال فرض سلطة القانون واتخاذ اجراءات سريعة تحد من الفساد المستشري و هيمنة البعض على هذا المورد المهم، وامام الحراك الحكومي الذي لاقى ترحيبا كبيرا عبر وسائل الاعلام؛ ارتفعت حفيظة بعض الجهات التي لم تعبر عن رفضها لسياسة الكاظمي بشكل مباشر مستخدمة الطرق غير المباشرة و خير مثال ما حصل في منفذ زرباطية الحدودي في واسط ، بعد اقل من 72 ساعة من زيارة الكاظمي لمنافذ جنوب و وسط البلاد، والتي تمخض عنه اعتداء على ملاكات المنفذ بالضرب والتهديد؛ بسبب رفضهم ادخال مواد محظورة، و وصف رئيس هيئة المنافذ بعد الحادث ما يحصل بان هناك جهات خارجة عن القانون تهدد المنافذ الحدودية وتمارس اعمالها بشقين، الأول عن طريق موظف فاسد يقوم بتمرير البضائع والمخالفات والتزوير تحت حماية وغطاء تلك الجهات النافذة، اما الشق الثاني تتدخل هذه الجهات عند مسك بضاعة تابعة لها في المنافذ الحدودية.
الاعلان عن القبض على المعتدين وتسليمهم للقضاء لينالوا جزائهم العادل اضافة الى تكليف قوة امنية لحماية منفذ زرباطية، واتخاذ اجراءات لتأمين كافة المنافذ، واعلان الهيئة العامة للكمارك بعد الحادث بساعات عن قيام مركز كمرك زرباطية الحدودي بضبط مواد غذائية وبذور واسمدة ومنظفات وردت بدون موافقات اصولية مخفية خلف مرشات زراعية في محاوله لتهريبها خلافاً لضوابط وتعليمات الأستيراد، اضافة الى اصدار امر باعفاء مدير المنفذ الحدودي هناك.. يجعلنا نستبشر خيرا بان هناك محاولات جادة لتغيير مسار العمل في المنافذ الحدودية، لكن السؤال المهم في هذا الملف.. من المسؤول بشكل مباشر عن ما يحصل من فساد ؟ هل السبب غياب نفاذ القانون ؟ ام غياب الادارة المؤسساتية النزيه ؟ ام هيمنة بعض الاحزاب فيما بينها على مقدرات الدولة ؟ والاهم من كل هذا هل انتشار المجاميع المسلحة كان كفيلا لان تكون المنافذ موردا لتواجدهم و سيطرتهم ؟
مهمة الكاظمي امام ما طرحناه صعبة جدا، واعتبرها الاخطر لان حلها الاساسي يتطلب الاصطدام مع جهات عدة، وفتح الابواب لجدل و اسئلة اخرى.. ماذا عن ذلك المنفذ او تلك الجهة؟ ولماذا الوسط والجنوب وعدم المساس بمنافذ الاقليم؟ و باعتقادي كلها اسئلة مشروعة، لكن المعالجات لا تأتي دفعة واحدة، والكاظمي يدرك جيدا ان التطرف في الاصلاح قد يقضي على الاصلاح بمجمله.
لذا نرى ان ما حصل في منفذ زرباطية درس مهم لكن الاهم كيفية الاستدامة و تحقيق الاصلاح التدريجي مع الحفاظ على مساحة من التحرك السياسي بين جهات اتفقت واختلفت على تنصيب الكاظمي رئيسا للحكومة ..
ان عملية اصلاح واقع المنافذ تحتاج جهد استثنائي و وقت طويل، و خطة تكتيكية لقطف الثمار واعادة مورد مهم لخزينة الدولة؛ لذا هذه رسالة لكل من يساند الاصلاح بعيدا عن توجهاته و ميوله الشخصية.. الموارد التي ستجنى احدى الادوات لانعاش ما تبقى، وما يحصل من ازمات اجتماعية تعددت اشكالها و مناطقها، سببها الاول والاخير الازمة الاقتصادية التي من خلال اصلاحها نستطيع ان نعيد ترميم ما تبقى من البنى المجتمعية و التحتية و الانسانية
المنافذ الحدودية خطوة لابد منها .