مقالات

المضحك والمبكي في أرقام البلد

د. فاتح عبدالسلام

لغة العالم والناس، جماعات وأفراداً متعلمين وجاهلين اليوم، هي الارقام، كم تأخذ، وكم تدفع، وكم كان مبلغ راتبك وكم أصبح بعد عشرين سنة، وكم ولداً لديك، وكم دفعت أجرة بيتك، وكم زادت الضريبة هذا العام؟ هذه اللغة ليست مجردة وإنّما مقترنة بأسباب من الظروف والسقف الزمني، وهي ظروف تستند الى أرقام أخرى أيضاً. في أوضاع الحكومات الشيء ذاته قائم، ولابدّ من التعامل به لكي نستطيع أن نقول اننا نرى هذه الحكومة ككيان مجسم له وجود أو لا نراها مطلقاً، فلغة الارقام المرتبطة بمقدار ما أنجزت من مشاريع جديدة في الزراعة والصناعة والكهرباء والصحة والخدمات العامة وبناء المدارس والمشافي هي التي تمنح اية حكومة قابلية أن يكون لها وجود ومن ثمّ نراها، وهي بدون تلك الارقام شيء شبحي لا وجود له. غير انَّ الشعب بات يعتاد على نوع جديد من الارقام التي تتمير بها الحكومات المتعاقبة مثل، كم استدانت من البنك الدولي، وكم بلغ عجز الموازنة هذا العام، وكم انخفض الاحتياطي النقدي في البنك المركزي للبلاد، وكم مليشيا خارج سيطرة الدولة، وكم فاسداً يمر من أمام عيون الناس كل يوم من دون أن يستحي، وكم مساحة زراعية تصحرت، وكم مصنعاً بات مهجوراً وجرى تفكيكه وبيعه في دول الجوار، وكم بلغت حمايات النواب والرئاسات عدداً وتمويلاً، وكم حصة الشهيد العراقي من رصاص الظلاميين الذين لا يزالون يمتلكون اليد الاعلى في البلد برغم كل العناوين المتصدرة . لغة الأرقام في بلدنا تجمع المُضحك والمُبكي، ولا تزال شاخصة أن ما ذهبنا ،نرى عبرها عمق المأساة ومبلغ ما ابتلينا به، لكن لابدّ أن تحفّزنا أيضاً لنرى من خلالها ما يجب أن يتغير، وما يجب أن نعيد بناءه في الوطن المحطم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى