slideمقالات

المضايف والجاه

 ما زلت اتذكر بالكثير من التقدير والامتنان قول والدي لي و انا صغير، ان المضيف و الديوان هو الوجه الثاني الحقيقي للعشيرة و مأوى كرمها واعرافها الاخرى و منذ ذلك الوقت كان والدي رحمه الله يحثني دائما على الاعتناء بالمضيف وتقديم الخدمات التي تليق بالضيوف من منطلق ان لكل ضيف كرامته، و من الاصول ان تكون هناك مراعاة حازمة لهذه الكرامة ومعنى مضاف ان يكون صاحب المضيف او الديوان على دراية ذكية بحاجة الذين يأمون هذه الدواوين و المضايف، و كانت المضايف واسعة وبسيطة و ليست معقدة البناء تماشيا مع حقيقة ان البساطة توفر الامان النفسي للإنسان و تجعله على مقربة ودية من الآخرين، اشير الى ذلك و انا ارى كيف تبدلت بعض المضايف و الدواوين حين تخلت عن البساطة و الالفة واصبحت كأنها قلاع الى حد ما بذريعة ان ذلك من متطلبات الهيبة و القوة و التأثير وهي ليست كذلك لأن القوة والتأثير العظيمين تأتي من البساطة و ليس التعقيد، وتحضرني هنا كيف ان عددا من الاشخاص استثمروا ما لديهم من ثروة هبطت عليهم سريعا نتيجة صفقات ما فبدل من ان ينفقونه على الاعمال الخيرية شيدوا لهم مضايف و دواوين راحت مضربا للأمثال في عروض للجاه الزائف وانتشرت صورها على مواقع الانترنت و كأن اهمية مكانة المضيف او الديوان هي الاساس لأهمية الانسان وموقفه العام و ليس العكس.

انا هنا لا امنع ان تكون بنايات الدواوين والمضايف بصورة حديثة تتناسب والتطورات التي حصلت في المناطق العشائرية و غيرها، و لكن ليس ان تكون الدواوين هي الواجهة المكملة العشائرية لشخصية المواطن سواء أكان المواطن رئيس عشيرة، أم وجيها من الوجهاء .

وهكذا قطعا ليس من المقبول ان يبنى مضيف كبير كان يمكن ان يكون بهيكل معين مقابل ان يتم معالجة عدد من المدارس الطينية التي ما زالت قائمة وهي على مقربة منه، و كيف يقبل البعض ان يكون مضيفه غنيا بالآثاث الباهرة في حين لا يجد تلميذ في عشيرته مقعدا دراسيا لائقا يواصل عليه الدراسة في مدرسة ابتدائية او متوسطة او اعداية او معهد او كلية.

 وقد يقول البعض بناء المدارس و المعاهد و الجامعات و المراكز الصحية من مهمات الحكومة و هذا صحيح و لكني اسأل اين هامش المبادرة و التضامن و الاخوة وقيم الوحدة العشائرية و الوطنية لدى شخص ثري و هو يجد ان هناك مدرسة طينية ما زالت قائمة في المنطقة الفلانية و انها تنتظر ان تتوفر الميزانية المالية الخاصة للبناء، ما هذا التصرف لدى البعض ممن يصرف مليارات على بناء مضيف له و يمنع يده ان تمتد بالمال الى بناء مدرسة بسيطة.

 لقد بنيت مضايف شاهقة واسعة غنية بالترف البنائي في محافظات العراق كافة و صرفت عليها مليارات من الدنانير، لكن البعض لم يكلف نفسه  لدعم مدرسة تحتاج الى الترميم او مركز صحي يحتاج الى اعادة بناء، اين هي الوطنية في ذلك و لي ان اسأل ايضا و من ذات الالم الذي اعيشه ايهما افرض لمنطقة عشائرية ان يبنى فيها مضيف او ديوان بمواصفات معقدة ضخمة ام تبنى فيها مدرسة ثم اني اسأل و من ذات الالم الذي اعاني منه ايهما افرض على صاحب المال الكثير ان يبني له مضيفا بمواصفات غريبة او يتكرم انسانيا على مواطن لا يجد ما يحمي به عائلته سكنيا.

إن الشرع و الاخلاق و قيم الرجولة وشرف المواطنة تدعونا اولا ان نكون على مقربة حقيقية من الحاجات الانسانية و التعليمية و الصحية للمواطنين، وكفى هذه الأبهة التي يريدها البعض لهم. وان الفرد الذي يبحث عن تكوين اهمية له من خلال بناء مضيف انما يقع في المحظور الاخلاقي الوطني و ان عليه تحرير نفسه كما اقترح ايضا و من ذات الاتجاه ان تكون هناك صناديق تتولى منظمات مجتمع مدني ادارتها وفق سجلات و ترتيبات حسابية ضامنة من اجل المساهمة في تعبيد طريق ريفي او ترميم مدرسة او مركز صحي او مساعدة فقراء و غيرها من الانجازات الانسانية الحقيقية، وكفى هذا التبذير الذي نشاهده في بناء المضايف.

مارد عبد الحسن الحسون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى