المستنقع الكبير وفروعه الآسنة
بقلم مهدي قاسم
ليس من ثمة مقارنة بين منبع نقي ومستنقع آسن ……..فمن المعلوم أن الأول مياهه صافية وعذبة ورقراقة ، تشع موجاته مشرقة وساطعة ، مثل واجهة مرايا مصقولة وبلورية عاكسة لجمال الطبيعة و حتى ألق السماء ، وهو في تدفق دائم آت من حركة دائبة ومتواصلة مع تغيير وتجديد لنفسه ليبقى أفريشا ومنعشا وصالحا لشرب إنسان وحيوان في آن ..نعم آتيا من بعيد البعيد عبر أنفاق وكهوف جبل عميقة ،متدفقا من منبعه الأصلي والنقي دائما بنقاوة ثلوج ناصعة ، و لأنه هكذا فمياهه لا تُفسد ولا تتعفن أبدا ، لكونه دائم جريان و اندفاع وتدفق بدماء جديدة ونضرة ..وكذلك الأمر بالنسبة لينابيعه وفروعه التي هي الأخرى تبقى جارية ونقية وطازجة و عذبة ، يحتسيها الإنسان والحيوان والطير بكل رغبة وهمة ..أما المستنقع الكبير فمن المعروف أن مياهه آسنة وفاسدة من الأساس ، فضلا عن كونها ساكنة وخامدة ، تكتظ بأوحال و طحالب ونفايات ، و شتى حشرات و جراثيم خطيرة ومميتة أحيانا ، وبالتالي فإن مياهه ــ كتحصيل حاصل ــ فاسدة ومتعفنة وغير قابلة للشرب لا من قبل إنسان ولا حيوان ، وبما أن الفرع يتبع الأصل والمصدر فأن فروع المستنقع هنا وهناك ، سواء كانت فروعا كبيرة أم صغيرة ، فهي الأخرى لا تعدو أن تكون مجرد امتداد سقيم فحسب للمستنقع الآسن والمتعفن الفاسد ..فمن هنا عبث المحاولة الكاذبة وعقمها المجدب والفاشل مسبقا ، تلك المحاولات التي تجري بين وقت وآخر بحجة تجديد المستنقع الآسن و تنقية فروعه المتكلسة لتلائم العقل السليم في الجسد الصحي و القويم ، و من ثم التظاهر على أساس أنه قد أصبح ينبوعا نقيا و عذبا ، من حيث بات صالحا ومفيدا للبشرية ..فالمستنقع الذي تكوّن أصلا ــ عبر مئات سنين غابرة ــ كمستنقع آسن ومكتظ بحشرات ضارة وسامة ، لا ينفع معه أي شيء آخر قطعا ..ما عدا عمليات ردم وتجفيف جدية وحاسمة فقط ..وهذا صعب المنال لأن حشرات المستنقع لا ترضى بذلك !..