المسؤول السابق
فاتح عبد السلام
اثار ظهور مسؤول عراقي سابق في زيارة، كأنها رسمية، الى طهران تساؤلات وتأويلات ولغطاً عن أسباب الزيارة في الوقت الذي يواجه المكتب الخاص والمقربون السابقون من ذلك المسؤول التُهم والتحقيقات القضائية، كما انه هو نفسه تحت لائحة الاستهداف السياسي المستمر من جهات متعددة. ذلك الظهور أثار أيضاً سؤالاً حول فاعلية الدور السياسي لأي مسؤول بعد مغادرته المنصب، في ظل غياب شبه تام لأية أدوار يؤديها في المجتمع، أيّ واحد من حَمَلَة لقب “سابق” من وزراء، أو نوّاب، أو مديرين، أو سواهم.ليس المقصود هو ذلك المسؤول السابق بعينه، لكن المشهد السياسي العراقي لا يتوافر على تقاليد تتيح ادواراً تنفيذية مساعدة يمكن ان تستمر معه، ذلك انّ المسؤول منتهي الولاية والمنصب،حاله كما الميت، ينقطع عمله عن الحياة، الا من ثلاث، منصب في حزبه أو ثروة في البلد وخارجه، أو ارتباطات خارجية تشبه العمالة.البيئة السياسية العراقية طاردة لأي تراكم خبرة، وتقوم على الإلغاء دائما وعدم امتلاك روح التواصل والاستمرار والتنافذ بين سلسلة المسؤولين الذي يمرون على إدارة حكومية معينة، باستثناء زعامات الأحزاب التي تعود بعد مغادرة المنصب الى التمترس السلبي المتربص داخل احزابها.في دول العالم المتقدمة يتحول المسؤولون السابقون الى محاضرين في جامعات راقية أو باحثين وخبراء في مراكز بحوث استراتيجية أو استشاريين لشركات عملاقة أو مؤلفين لكتب ذات رؤى عميقة تخدم الجيل اللاحق، فضلاً عن عناية بعضهم بكتابة مذكرات تعطي صورة واضحة عن مراحل سياسية يستند اليها مؤرخون وباحثون أو سياسيون جدد. أبرز أسباب استمرارية الدور الحيوي الفاعل في الأداء المجتمعي والنخبوي للطبقة السياسية في تلك الدول هو انبثاق الشخص السياسي من مفصل علمي أو وظيفي أو عسكري له ابعاد متجذرة بالمجتمع ومؤسساته، وليس شخصاً وليد البيئة الحزبية المنغلقة وغير معني بأية مهارة أو خبرات مكتسبة ترتقي بالوظيفة السياسية الى منزلة أعلى.ما نراه في بلدنا هو انّ أيّ شخص سياسي، إذا عرضت عليه أيّ منصب في الدولة يقبله راكضاً، أو انه كان يتوسط في الأصل للحصول عليه، بوصفه غنيمة قبل كل شيء، من دون أن يكون مُلماً ولا أقول ضليعاً بمنحى واحد من مناحي تلك الوظيفة، اذا كان وزيراً أو سفيراً أو رئيساً للوزراء. لذلك يبدو المشهد ضعيفاً وفي بعض مفاصله متهالكاً.