المحكمة الإتحادية العليا وتفسير التشريعات
احمد طلال البدري
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم (48/ اتحادية /2021) في 6/6/2021 والمتضمن تقرير اختصاص المحكمة الاتحادية العليا الاستثنائي بتفسير التشريعات سواء كان التفسير بمناسبة الفصل بمنازعه معروضه امامها للفصل بدستورية نص او تشريع ، اوبناء على طلب اصلي بالتفسير من احد السلطات الاتحادية، ووفق ضوابط محددة ذكرتها في قرارها ، ولنا على قرار المحكمة الاتحادية اعلاه الملاحظات الاتية :1- حددت المادة (93) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الاختصاصات الحصرية للمحكمة الاتحادية العليا ، ومنها اختصاصها الوارد في في الفقرة (ثانياً) منها وهو اختصاص تفسير نصوص الدستور ، وقد نصت المادة ( /4ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بموجب الامر التشريعي رقم (30) لسنة 2005 والمعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 على هذا الاختصاص ، الا ان الدستور وقانون المحكمة سابق الذكر لم يحدد الجهة المختصه بطلب التفسير ، وكذلك خلا نظامها الداخلي من اي نص ينظم الجهات التي لها حق تقديم طلب التفسيروالشروط الشكلية والموضوعية والبيانات الواجب توفرها في طلب التفسير الاصلي ، وللمحكمة الاتحادية العليا اجتهادات في عدة احكام قضائية صادرة عالجت هذا القصور، تناولناها في معرض تعليقنا على قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بعدم دستورية تشكيل محاكم خاصة في اقليم كردستان .2- لم ينص الدستور ولا قانون المحكمة الاتحادية العليا ولا نظامها الداخلي على اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في تفسير التشريعات ولم ينظم قانونها مسألة قبول الطلب الاصلي بتفسير التشريعات وجهات تقديمها وشروطه وضوابطه ، واستناداً لاختصاص المحكمة الاصلي بتفسير نصوص الدستور فأن من المنطق ان تفسر المحكمة الاتحادية العليا التشريع او النص القانوني المطعون بعدم دستوريته للوقوف على نية المشرع ومدى مطابقتها للدستور حتى تتمكن من الفصل في النزاع المعروض امامها.ضوابط التفسير3- حسنناً فعلت المحكمة الاتحادية العليا بوضع ضوابط للتفسير التشريعي بمناسبة خصومه قائمة امام المحكمة ، حيث حددت المحكمة جملة من الكوابح الذاتية لغرض ركونها للتفسيرالتشريعي حيث جاء في حيثيات قرارها (….واستناداً لما تقدم تقرر اجابة الدائرة القانونية في مجلس النواب بأن للمحكمة الاتحادية العليا صلاحية تفسير نصوص القوانين في ضوء الاختصاصات المحددة في الدستور وقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 ووفقاً للضوابط التي تم الاشارة اليها ، والمتجسدة بما يلي :1- ان تكون القوانين نافذه 2- ان يكون تفسيرها بمناسبة خصومه منظورة امام هذه المحكمة للبت بدستورية القانون موضوع التفسير 3- ان يكون التفسير بمناسبة استفسار يرد اليها حصراً من احدى السلطات الاتحادية …….) ، والحقيقه نحن لانؤيد اتجاه المحكمة الاتحادية العليا الذي ذهبت اليه في الفقرة (3) من منطوق حكمها اعلاه باقرارها لنفسها باختصاص قبول طلبات التفسير الاصلية للتشريعات من السلطات الاتحادية ، لانها لاتملك اختصاص تفسير التشريع الابصفة تبعية لاختصاصها الاصيل بتفسير الدستور ، اي ان تفسير القانون هو بهدف فض المنازعه الدستورية القائمة امامها ، بمعنى اخر ان تفسير التشريع من متطلبات ممارسة المحكمة لاختصاصها بالرقابه على دستورية القوانين والانظمة ، وبالتالي لايمكن للمحكمة ان تقرر لنفسها اختصاصاً اصيلاً بتفسير التشريع بناء على طلبات ترد للمحكمة وان حددت المحكمة ضوابط لقبول الطلب الاصلي بتفسير التشريع ، وهذا ما قررته المحكمة في نفس قراراها حيث اشارت الى الى ان اختصاص تفسير التشريع استثناء لايجوز التوسع فيه ، حيث جاء في حيثيات قراراها (…..ذلك ان اختصاص هذه المحكمة بتفسير القوانين جاء على سبيل الاستثناء ووفقاً لوجهة نظر المحكمة استناداً لاختصاصها الاصيل والحصري بتفسير نصوص الدستور والحق المتفرع منه المتجسد باختصاصها في تفسير نصوص القانون ، ذلك ان من يملك الكل يملك الجزء ، وعلى اساس ماثبت على اساس الاستثناء لايجوز التوسع فيه ، ولاسيما ان ذلك يتعارض مع اختصاصات مجلس الدولة استناداً الى احكام قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم (71) لسنة 2017 …..) وهنا قررت المحكمة الاتحادية العليا ان تفسير التشريعات استثناء لايجوز التوسع فيه وبالتالي لايجوز ان تقرر لنفسها اختصاصاً اصلياً بقبول طلب التفسير الاصلي للتشريعات من السلطات الاتحادية التي عددتها لاننا نكون اما حالة (استثناء على الاستثناء ) .4- اشارت المحكمة الاتحادية العليا في قراراها بأن الاستثناء لايجوز التوسع فيه ولاسيما ان ذلك يتعارض مع احكام المادة (4) و(6) من قانون مجلس الدولة ، وهي بذلك اقرت اختصاص مجلس الدولة بتوضيح الاحكام القانونية ، ثم عادت وانكرت على مجلس الدولة هذا الاختصاص حيث جاء في حيثيات قرارها ( …ولم تتضمن فقرات المادة المذكورة صراحة صلاحية مجلس الدولة او اختصاصه في تفسير احكام القانون النافذ ، وان اختصاص المجلس بالافتاء وابداء الرأي وتوضيح الاحكام لايسلب سلطه القضاء في تفسير احكام القانون، كما لايحول بين المحكمة الاتحادية العليا واختصاصها بالتفسير ، سواء ذلك بالنسبة لنصوص الدستور او القوانين النافذه وفقاً للتفصيل المشار اليه انفاً……) ، والحقيقه ان مجلس الدولة يملك اختصاص توضيح الاحكام القانونية ، والتوضيح هو البيان والاستدلال على ما تتضمنه القواعد القانونية من احكام وتحديد المعنى الذي تتضمنه حتى تتمكن الوزارات من تطبيقه وهذا هو جوهر التفسير ، فمشرع قانون مجلس الدولة بدل ان يذكرعبارة تفسيرالتشريعات او النصوص ذكر تعريف التفسير . 5- ان هذا القرار التفسيري لايمكن عده من القرارات التفسيرية المضيفه ، لان الغاية من الاحكام المضيفه هو اضافه الجزء الضروري للنص حتى يصبح دستورياً ، بمعنى اخر ان هدف الاحكام التفسيرية المضيفه هو اكمال النقص والقصور الموجود بالنص او القانون الخاضع لرقابة المحكمة ، لتجنب اعلان عدم دستوريته بمناسبة منازعه معروضه امام المحكمة الدستوريا العليا ، في حين ان هذا القرار جاء نتيجه لطلب تفسير مباشر من جهة لم يمنحها القانون صلاحية طلب التفسيرمن المحكمة العليا .6- في مصر نجد ان المحكمة الدستوريا العليا لاتملك اختصاص تفسير الدستور لاعتبارات تتعلق بعدم جواز تفسير ارادة السلطه المنشأة للدستور الا من ذات السلطه ، واقتصر اختصاصها في تفسير التشريعات فقط وحددت المواد (26) و(33) من قانونها المرقم (48) لسنة 1979 الشروط الشكلية والموضوعية لطلب التفسير والجهات التي لها حق طلب التفسير.قبول طلباتلما تقدم ندعو المحكمة الاتحادية العليا الموقرة العدول الجزئي تحديداً عن اتجاهها بقبول الطلبات الاصلية لتفسير التشريعات لان ذلك خارج اختصاصها ، وسيكون سبباً لشغل هذه المحكمة العليا عن ممارسة اختصاصها في حماية الدستور والرقابه على دستورية القوانين ، مع الاقرار باختصاصها بتفسير التشريعات بمناسبة ممارسة اختصاصاتها في الرقابة على دستورية القوانين بمنازعة معروضه امام المحكمة … والله ولي التوفيق .