المحتوى الهابط انعكاس لمشكلات مجتمعية عدة
مجاشع التميمي
أصبح القطاع الإعلامي من القطاعات التي فيها الكثير من المرونة ولا يتسم بالجمود، لأن انتشار وسائله على نطاق واسع وظهور وسائل اتصالية جديدة أكثر تطوراً أصبح ملحوظاً نتيجة للتطورات التكنولوجية الحاصلة، لذا بات قطاع صناعة المحتوى الإعلامي وتقنيات الاتصال يشهد ثورة كبيرة في أدواته ومضامينه، فأصبح من بين أهم مقومات نجاح المؤسسات بالقطاع الإعلامي هو قدرتها على اللحاق بأحدث المتغيرات والحفاظ على قدرتها على المنافسة والبقاء في السوق في ظل الثورة التي تشهدها بيئة العمل الإعلامي في عصر البيئة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات، الأمر الذي يحتم على المؤسسات الإعلامية وكل قطاعات صناعة المحتوى الإعلامي أن توظف رصيدها كاملاً من الذكاء الجماعي للاستفادة القصوى من تطبيقات إدارة المعرفة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية من عملية صناعة المحتوى الإعلامي.
عراقياً، أنا أقول إن حملة المحتوى الهابط التي تقوم بها وزارة الداخلية هي مهمة، لكن آلياتها برأيي هي بدائية ولم تأخذ بنظر الاعتبار التطورات التكنلوجية في مجال الإعلام وأعتقد جازماً أنها تمت دون معالجة معمقة لهذه القضية التي ترتبط بها الكثير من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث أن أبرز وأهم صفة تميز المجتمعات المعاصرة عن سابقاتها هي البيئة التكنولوجية والمعرفية والمعلوماتية التي نعيش فيها اليوم، لكن يبدو أن القائمين على هذه الخطوة ما زالوا يعيشون في العام 1969 أي سنة إقرار قانون العقوبات رغم أننا نواكب الانتشار الواسع والهائل لوسائل الإعلام، والتي أخذت أهمية بالغة كمصدر للمعلومات والمعرفة في المجتمع، واكتسحت فضاءً واسعاً في مختلف المجالات الحياتية، فلم يعد هناك أدنى شك في أهمية القطاع الإعلامي ومؤسساته المختلفة لما تحتله من مكانه متميزة في واقعنا المعاصر، وانطلاقاً من طبيعة وظائفها وأدوارها التي تؤديها وتأثيراتها على الفرد والمجتمع ككل، كما أن كافة الدول أصبحت تعطي اهتماماً كبيراً للقطاعات التي لديها مستوى أفضل ومتميز في مجال إدارة المعرفة، والتعامل معها وتطبيقها والاستفادة منها، والتي باتت بدورها تشكل أحد أهم التطورات الفكرية المعاصرة التي تهتم بالمعلومات والبيانات والأنشطة المعرفية وبخاصة في مجال الاتصال والإعلام. وفي عصر أقل ما يقال عنه أنه عصر السرعة، كان لزاماً على كل القائمين على هذا القطاع الحيوي في المجتمع أن يلاحقوا هذا التطور بكل الوسائل وبشتى السبل، خصوصاً التطور الرقمي في صناعة المحتوى الإعلامي، الذي يمثل واحداً من أهم وأبرز مكونات العملية الإعلامية، حيث أن هناك تقريباً 4.74 مليار مستخدم وسائل تواصل اجتماعي نشطين على مستوى العالم في العام 2021 وهذا العدد بالتأكيد ارتفع في العام الجاري بزيادة كبيرة. وفي العراق، فإن ما يحصل من محتوى إعلامي هابط هو انعكاس لمشكلة اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية عميقة وبصراحة أن الطبقة السياسية التي قادت البلد قبل 2003 وبعدها هي جزء أساسي من هذه المشكلة وما يظهر في مواقع التواصل الاجتماعي من محتوى هابط هو كاشف لما يحصل في مجتمعنا.
أما حقيقة المشكلة فهي معقدة ولا يمكن أن تحل بطرق بدائية لانها تعقد الأزمة أكثر كوننا نتكلم اليوم عن عالم رقمي وعدد المشتركين بها ربما تعدى الخمسة مليارات مشترك، لذلك أدخلنا القضاء والأجهزة الامنية والاعلامية في حملة غير مجدية لانه اذا تم ايقاف هذا المحتوى الهابط العراقي فإن المحتوى الهابط والإباحي الخارجي لا يمكن إيقافه، وفي النهاية سيكتشف القضاء والاجهزة الامنية في وزارة الداخلية انها تطارد جهات افتراضية وخيوط دخان لا يمكن السيطرة عليها إلا من خلال معالجة قضايا مهمة متعلقة بمؤسسات الدولة وفي مقدمتها الفقر والفساد المستشري في العراق وغيرها من الامور التي رافقت العراقيين في السنوات الماضية. المحتوى الإعلامي الحالي يدار من قبل تقنيات الذكاء الاصطناعى Artificial Intelligence لذا فعلى القائمين ان يعلموا أن معالجة الازمة بطرق وفق المادة 403 في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969غير سليمة، الأمر الذي يستوجب على عملية تطوير المحتوى الإعلامي لقطاع الإعلام العراقي أن تتحقق من خلال تخطيط مسبق يقوم على أسس حديثة مستندة في الأساس على استراتيجيات إدارة المعرفة التي تستدعي تغييراً أساسياً في الاستراتيجيات التنظيمية في منظومة صناعة وإدارة المحتوى الإعلامي.