المجلس الأعلى.. والأبقى
فاتح عبدالسلام
لا تزال هناك ظاهرة التسرب من المدارس للأطفال تحت أسباب شتى منها العمل لإعالة الاسر التي تعاني شظف العيش لاسيما في مناطق عانت من ويلات الحروب والنزوح. لا توجد احصائيات معلنة عن اعداد المتسربين من المدارس، لكن اعدادهم غير خاضعة للسيطرة. التسرّب من المدارس ومغادرة نطاق التعليم الى الاعمال غير الماهرة هو بداية ثلم بنية المجتمع واصابة بنائه بالتآكل مع الزمن، كما ان ذلك بوابة مفتوحة نحو الانحرافات بأنواعها من الإدمان على المخدرات حتى تسرب بعض أولئك المتسربين الى عضو البرلمان بفعل أحزاب وجماعات تعتمد على المسارات السيئة للوصول. ومواجهة هذا المنحى المتردي هو مسؤولية اجتماعية وحكومية مشتركة، لكن الامر لا يمكن معالجته بالصدفة او التمنيات او المبادرات الفردية والجزئية، وانما من خلال برامج متكاملة من الدولة، ذلك انّ الأطفال هم الرصيد الحقيقي للبلاد، وليس فقط العملات الصعبة في احتياطي البنك المركزي كما يظنون.نحتاج الى مؤتمر بحثي أولاً يعتمد الدراسات والاستطلاعات الميدانية بالتعاون مع المحافظات والوزارات المعنية، ثم تنبثق عن المؤتمر لجان منتخبة ومركزة تقوم على التفرغ الوظيفي لمدد زمنية مناسبة لا تقل عن سنة كمرحلة أولية، تتولى بحسب مرسوم حكومي ملزم للجميع تنفيذ التوصيات المستخلصة من الأبحاث والاستطلاعات والتحقيقات، أو من خلال وضعها على سكة التنفيذ، ومن ثمّ يتولى قانون يشرعه مجلس النواب ليكون ضمانة لحماية الطفولة واسناد النطاق التعلمي والتربوي في العراق ، والتهيئة الصحيحة للمضي في التطور الطبيعي في سلم التعليم العالي حين يأتي دوره. وزارات التربية والتعليم تعيش حالة من الاضطراب عبر روح الوقتية والظرفية التي تسكنها بفعل التغيير الوزاري المستمر، ومن قبل ذلك، التعيين في المنصب بحسب المحاصصة المنبثقة من مصالح وصفقات كباقي الحقائب الوزارية الاخرى.أرى انّ الحل يجب أن يكون من خلال انشاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم، الذي يضم خيرة الخبرات التربوية والتعليمية عبر مختلف الحقب بما في ذلك المتقاعدين الذين يمثلون كنزا معرفيا وتربويا، وان تكون هناك آليات مستقرة وموثوق بها لاختيار أعضاء هذا المجلس المقترح، تشبه طريقة تشكيل المجمع اللغوي او المجمع العلمي، وما أحوج البلاد الى مجمع تربوي.الدولة ينقصها البناء من الداخل، ومن الأدنى فالأعلى، وما نراه هو اهتمام شكلي بالغرف العالية من دون اعارة الانتباه للأساسات التي يقوم عليها أي بناء مستقر.ان قيام هذا المجلس، سيكون لائقا به ان يحمل اسم المجلس الأعلى والابقى عند زوال الحكومات.