مقالات

المثلية الجنسية وحرب الثقافات

منقذ داغر

ما الذي‮ ‬يجعلك تعود للأستثمار في‮ ‬العراق بعد أن‮ ‬غادرت العراق منذ‮ ‬15 سنة وحصلت على الجنسية الكندية أنت وأولادك الذين تخرجوا جميعاً‮ ‬من هناك؟ أجابني‮ ‬صديقي‮ ‬القديم،لم أعد أتحمل الثقافة الأجتماعية المتغيرة هناك وشدة الترويج للمثلية الجنسية‮!

‬أخاف على أحفادي‮! ‬قلتُ‮ ‬في‮ ‬نفسي،أنه‮ ‬يبالغ‮ ‬كثيراً‮.

‬بعد ساعة طالعتني‮ ‬الأنباء بخبر معاقبة أحد الأندية الفرنسية للاعب مصري‮ ‬يلعب في‮ ‬صفوفها بسبب رفضه أرتداء شعار الترويج للمثلية الجنسية الذي‮ ‬أرتداه بقية اللاعبين‮!

‬تساءلت ما الذي‮ ‬يحصل في‮ ‬بلد الحريات،فرنسا؟ في‮ ‬السنين الماضية حاولت تفهم وجهة نظرهم بخصوص منع أرتداء الحجاب من زاوية الثقافة العلمانية الراسخة هناك،لكن هل باتت قيم ومعايير المثلية الجنسية جزء من الثقافة العلمانية التي‮ ‬طالما روجت لكثير من قيمها منذ سنين طويلة؟ الا تقع حرية الأختيار والتعبير عن الرأي‮ ‬في‮ ‬قمة أولويات الثقافة العلمانية؟ صحيح أن قبول الآخر هو جزء أساسي‮ ‬من تلك الثقافة،لكني‮ ‬أنا الذي‮ ‬أرفض الترويج للمثلية‮ ‬يمكن أعتباري‮ ‬أيضاً‮ ‬ك(آخر‮) ‬ينبغي‮ ‬أحترام رأيه وخياراته‮!

‬هل(الآخر‮) ‬هو المثلي‮ ‬و‮\ ‬أو من‮ ‬يروج له فقط أم‮ (‬الآخر‮) ‬هم كل أبناء المجتمع؟‮! ‬أفهم وأقبل أن لا أحاربك ك(مثلي‮) ‬أبتُليت بهذا المرض النفس-أجتماعي‮ ‬لكني‮ ‬أرفض الترويج للمرض؟‮ ‬تسليط الضوءكنت أعتقد أني‮ ‬لن أكتب مجدداً‮ ‬في‮ ‬هذا الموضوع الحساس،بعد‮ ‬سلسلة المقالات التي‮ ‬كتبتها في‮ ‬صحيفة الزمان أثناء بطولة كأس العالم الأخيرة نهاية العام الماضي‮ ‬في‮ ‬قطر،وحاولت فيها تسليط الضوء على التغيرات الثقافية الحاصلة في‮ ‬العالم والتي‮ ‬خلقت هذه الموجة الترويجية للمثلية ضمن تيار ما‮ ‬يسمى بالليبرالية التقدمية الجديدة‮ ‬progressive new liberalism ونقيضها الذي‮ ‬يحاربها بضراوة والذي‮ ‬يسمى باليمين المتطرف‮ ‬Far Right . فالليبرالية التقدمية الجديدة،والتي‮ ‬تعود بداياتها للحقبة الكلنتونية‮ (‬نسبة الى‮ ‬بيل كلنتون‮) ‬تريد الأنتقال بنا الى مجال أجتماعي‮ ‬جديد‮ ‬يتناسب(حسب رؤيتها‮) ‬مع التطور التكنولوجي‮ ‬والأقتصادي‮ ‬وعصر العولمة،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يصر أنصار اليمين المتطرف على العودة للماضي‮ (‬الجميل‮) ‬الذي‮ ‬أمتاز بعلاقات أجتماعية عاشها وأحبها وتعودت عليها أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية‮. ‬ولكي‮ ‬لايسيء القارىء فهم هذا الصراع،فأن هذا الوصف العام له لا‮ ‬ينفي‮ ‬وجود أجنحة وتيارات تتباين في‮ ‬توجهاتها الاجتماعية داخل هذين التيارين المتصارعَين‮.

‬أنها آيدلوجية تقوع على فكرة الجدارة الأجتماعية وليست مفاهيم المساواة‮. ‬لذا فالسلطة‮ ‬يجب أن تكون بيد المبدعين الجدد”مثل بيل‮ ‬غيتس‮” ‬وليس بيد عامة الشعب أو النقابات العمالية أو المؤسسات التقليدية‮. ‬والعالم طبقا لهذه الآيدلوجية بات قرية صغيرة‮ ‬يجب أن تحكمها ثقافة واحدة،لا ثقافات متباينة،فليس هناك خصوصية مجتمعية عند الليبراليين الجدد‮.

‬أنها ليبرالية ما بعد الرأسمالية التي‮ ‬تريد تحرير الرأسمالية من ألتزاماتها الأجتماعية المتمثلة بالمؤسسات التقليدية”الأسرة،،الكنيسة،الأتحادات والنقابات،الضمان الأجتماعي‮..‬الخ‮”.

‬أنها ليبرالية الأنسان المرقمن‮ ‬digitalized وليس الأنسان‮ “‬المواطن‮”. ‬فهي‮ ‬تبشر بالذكاء الأصطناعي‮ ‬كبديل عن الذكاء الأجتماعي‮.

‬وعليه فأن البشر سيتقاربون ويتناسبون وقد‮ ‬يتناسلون-فمن‮ ‬يدري‮- ‬مع الروبوتات ولن‮ ‬يعودوا بحاجة للتكاثر البيولوجي‮ ‬بين الجنسين‮. ‬نعم،هو جنس واحد وأنسان واحد وثقافة واحدة تلك التي‮ ‬تسعى لها الليبرالية التقدمية الجديدة‮.

‬أنها ديموقراطية الخيار الواحد المعلب الذي‮ ‬يجب على الجميع تبنيه‮. ‬فالتقدم كما‮ ‬يؤمن مروجو هذه الآيدلوجية حزمة واحدة‮ ‬one package لا‮ ‬يمكن تجزئتها‮. ‬أذ لا‮ ‬يمكنك التمتع بما تتيحه له الثورة الرقمية من منتجات وعوالم جديدة دون أن تقبل بتلك الثقافة التي‮ ‬تتناسب”من وجهة نظرهم‮” ‬مع متطلبات هذه الثورة الرقمية‮.

‬ولكي‮ ‬نفهم بشكل كامل أنعكاسات ذلك على حرب الثقافات القائمة حالياً‮ ‬في‮ ‬العالم فيجب أن نتطرق للقطب الثاني‮ ‬في‮ ‬هذه الحرب كي‮ ‬تكون الصورة أكثر أكتمالاً،وهو ما ساعالجه في‮ ‬المقال القادم‮.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى