المتحف الذي يذكرنا به غياب سعدي يوسف
د. فاتح عبدالسلام
ليست المناسبة هي رحيل الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف في المهجر، ان نقف مندهشين إزاء قلة الشواخص والتماثيل والنُصب التي تجسد أعلام العراق في الثقافة والادب والفن في العاصمة والمدن الكبيرة الأخرى، ذلك اننا نعرف ان الموقف السياسي هو الفيصل في الحكم على المبدعين العراقيين في داخل بلدهم او خارجه، وربما كانت هذه الميزة هي المشترك الواضح بين جميع الأنظمة العراقية التي مرّت في حكم بغداد . لا نملك سوى تمثال بدر شاكر السياب في البصرة وقد لاقى الإهمال والتجاهل على مر العقود الا في مناسبات المربد الشعري وعلى نحو خجول. لدينا تمثال لمعروف الرصافي وآخر لمحمد صدقي الزهاوي ، وهناك رأس فقط لباني بغداد أبو جعفر المنصور مهدد بالقطع ،ونأمل أن نرى تمثالاً لمحمد مهدي الجواهري في معظم مدن العراق، لأنه شاعر العرب الأكبر فعلاً . الرموز الثقافية الشاخصة في مدننا قليلة الى حد الندرة والعدم في بعض المجالات والاحيان. كما لا نملك متحفاً للثقافة العراقية يضم كل المقتنيات والاشياء الخاصة بالأدباء والفنانين والمفكرين في خلال مائة عام وقد بلغها عمر الدولة العراقية الحديثة. ما أجمل ان نرى مخطوطات شعراء وكتاب قصة ورواية وملحنين ومسرحيين ورسومات قديمة لمختلف المبدعين ومن أجيال مختلفة لاسيما أولئك الذين غابوا ولا ذكر لهم اليوم، حتى ان أعمالهم التي كانت طبعت في كتب قبل خمسين او سبعين عاما لم يعد لها وجود في المكتبات، إلا ما ندر وفي نطاقات محدودة لا تودي غرضها الثقافي والفكري والتنويري والتاريخي الذي نحتاجه من خلال هذا التواصل المنشود مع صورة الثقافة العراقية بكل تنويعاتها مهما اختلفنا مع الأسماء في شأن قناعات فكرية او سياسية. هذا المتحف يحتاج الى قرار من رئاسة الحكومة لتشكيل هيئته العليا وإعطاء فترة زمنية معقولة لتحقيق ولادته ليكون شاهدا عراقيا على بلاد الحروف الأولى في التاريخ أمام زوارها من جميع الدول.
هناك مَن يهمس قربي، انّ لا حياءَ، وليس لا حياة، لمَن تنادي.