الله على المحبة
هادي جلو مرعي
إتصل بي صديق من قلعة سكر في الناصرية ليطمئن، وحكى لي إنه رأى حلما سيئا الليلة التي مضت، وإني قد مت وأصبحت في السماء رغم إن جسدي تحت التراب، وإنه كان متألما وحزينا للغاية، وكان يفتقدني ويبكي، لكنه حين صحا من نومه، وتطلع في الهاتف وجد مقالة صحفية كتبتها منشورة قبل وقت قليل، فشعر بطمانينة أكدها الإتصال بي، وحمدت الله، وقلت: إن الموت في المنام قد يعني حياة جديدة، وهذه بشارة لي ببقائي في هذا العالم القذر مع القتلة واللصوص والحرامية والإنتهازيين والمنافقين والدجالين والعيارين والقوادين لوقت آخر قد يطول، وقد يقصر، وإني ربما سأكون من الناجين من ملحمة كورونا الكبرى التي تطيح بالمزيد من الناس في بلدان مختلفة من العالم. أحاول الإتصال بمن إستطعت من الأصدقاء الذين يبلغني أنهم أصيبوا بالوباء، مخففا عنهم، مستنهضا هممهم ليواجهوا التحدي، ويصنعوا المزيد من فرص الإستمرار، وعدم الإستسلام الذي أراه بغيضا خاصة وإننا إستسلمنا كثيرا في السابق، وحان الآن حين المقاومة، والتصدي للمحنة، وبعضهم يشعر بسعادة غامرة، وبعضهم بالقوة، وقد إستشعرت من أحاديثهم أنهم مصرون على المقاومة، وهزيمة المرض، ففي هذه الظروف يجب أن لانتعلم الهروب من المسؤولية، بل أن نتعلم المسؤولية بمعناها السليم، فليس من المشكلة في أن نبحث عن فرص جديدة لمساعدة من عاشوا المحنة، ومروا بها، وتحملوا أعباءها، بدلا من تركهم يواجهون مصيرا غير معلوم. بعد مغادرتي لمبنى قناة فضائية رفقة صديقين إثنين جرى الإتفاق على إنضمام صديق لنا في مكان من بغداد بعد العشاء، وكنت لاأعرف بالضبط مدى حبه لي، وتعلقه بي، فحين وصوله كان يضع الكمامة، وكنت أفعل مثله، وكذلك الصديقين الآخرين، لكنه ماإن رآني حتى وضعها جانبا، وإحتضنني بقوة، وقبلني من جبيني، وعلى جانبي الوجه، ومن رقبتي، وكأنه يشم عطر الصداقة الراسخة، وإذا كنت مطمئنا إنني بخير، ولاأعاني من كورونا، فكيف به هو، ولماذا لم يكن خائفا مني؟ تذكرت حينها بعض الأصدقاء الذين يعيشون الرعب، وحال من الهوس غير المبرر، وحولوا حياتهم الى جحيم، وهربوا من أصدقائهم. يجب أن نتعلم أن لانخاف، وأن نكون حذرين، وأن لانتخلى عن أصدقائنا، وأن نتواصل بطريقة إيجابية، وأن لانعيش الجحيم، في حين أن الله علمنا كيف نصنع من الأمكنة التي نتواجد فيها أمكنة من الجنة نتشاركها مع من نحب، ونتواصل معهم، فالخوف ليس دائما هو العلاج لما نعانيه لأننا خفنا كثيرا، وكانت النتيجة إننا صرنا جبناء.