الكتاب لا يزال ناجياً
فاتح عبد السلام
تسونامي الانترنت ضرب بشدة الصحافة الورقية، لكنها ليست ضربة النهاية القاضية في المجتمعات العربية ذات النشاط الاقتصادي والعام الكثيف بحكم الإعلانات الشركاتية أو الافرادية، والتي تكون ملزمة في النشر الورقي، في معظم الأحيان لاستقامة الوضع القانوني لمزايدة او مناقصة تجارية لوزارات وشركات وجمعيات. لكن المساحات الاعلانية تقلصت أيضاً لأنّ هناك نزوحاً متسارعاً نحو الإعلانات الالكترونية بنسب متفاوتة.
والقراءة الالكترونية لأخبار الصحف قد تلبي بعضاً من الحاجات الأساسية برغم من أنّ سحر الورق لازال غير قابل للاندثار، لاسيما لدى الذين يترقبون اخبارهم الشخصية أو مقالاتهم أو صورهم ومقابلاتهم.غير انَّ القراءة الالكترونية للكتب لا تزال متعثرة وبشدة في بلداننا العربية، ونرى الكتب محافظةً على سطوتها في قلوب القراء بالرغم من الأسعار الباهضة التي تأثرت بالأوضاع الدولية، منذ العام الماضي على نحو شديد.كما انَّ الكتب تدخل في تكوين تأثيث المنازل، وهناك من الأثرياء مَن يزينون منازلهم بمكتبات جدارية أو خشبية نفيسة تضم أمهات المصادر والمراجع من باب التباهي واكتمال الديكور، وهناك آخرون يرون انَّ رحلة حياتهم مع السنوات السعيدة والمُرّة تعادلها رحلة من نوع خاص مع كل كتاب على رف المكتبة المنزلية ، اذ تصحب الكتبَ قصصٌ بشأن شرائها أو استعارتها أو سرقتها أحياناً ، فضلاً عن السفر من أجلها غالباً، كما يفعل الباحثون والاكاديميون، وكذلك يفعل المثقفون في مختلف مدن البلاد في السفر الى العاصمة عند إقامة معرض دولي للكتاب فيها.انّ تداول الكتب الالكترونية لايزال محدوداً بسبب النقص في أجهزة القراءة المتخصصة والغالية نسبياً، الى جانب انقطاع متعة القراءة لأي سبب عارض وعدم الرجوع الى الكتاب ذاته بعد أيام بسبب نسيان وجوده الذي اختفى لوجود كتاب جديد، وهكذا.
ولا ننسى انّ متعة القراءة في الكتاب الورقي تكون مصاحبة للإنسان تحت كلّ الظروف والأوضاع العامة أو الخاصة بغض النظر عن وجود شبكة الانترنت أو غيابها. هنا، نحتاج دور وزارات الثقافة في الدول العربية لإيجاد معايير مجدية في دعم الناشرين الراقين في القطاع الخاص الذين يسعون الى توفير الكُتب للقراء بأسعار معقولة، ونذكّر أيضاً بالنشر الحكومي الذي يمكن أن يسد نقصاً معيناً مع تخفيض أسعار الكتب ودعم مؤلفيها، لكن حركة النشر الحكومي ضعيفة وخاضعة لعوامل عدة تعرقها منها قيود الرقابة والوساطات والتجاذبات، ولابدّ من إقامة مؤتمرات خاصة ومفتوحة على مختلف الاتجاهات المجتمعية لتحديد بوصلة انتاج الكتب وتشجيع المؤلفين.