الكاظمي: الفساد استنزف الثروة التي دخلت خزائن العراق
كشف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الاثنين، عن التحديات التي تواجهه بعد نيل حكومته ثقة البرلمان، وفيما أشار الى أنه تصدى لواجبه ويعرف مسبقًا المصاعب التي تقف امامه، أكد أنه استلم المسؤولية إلّا خزينة شبه خاوية، وفقا لقوله.
وادناه نص مقال الكاظمي بعنوان (العراق أكبر من التحديات) سينشر يوم غد في عدد من الصحف المحلية:
مع اقتراب الموعد الذي قطعته امام البرلمان لاستكمال التشكيلة الوزارية، لابد من وضع شعبنا وقواه الوطنية، وشبابنا المطالب بحقوقه، أمام ما أواجه من تحديات تتطلب من الجميع التكاتف لتذليلها، وما اقوم به من مداولات وحوارات بناءة ومكثفة مع كل القوى السياسية هدفه الوصول الى ما يرضي شعبنا ويعيد الثقة بامكانية تجاوز العملية السياسية للازمة المتفاقمة التي تواجهها وتضع عراقنا أمام مفترق طرق.
لقد تصديت لواجبي واعرف مسبقًا المصاعب التي تقف امامي، والتركة الثقيلة التي ستواجهني على كل الأصعدة وفي جميع الميادين الحيوية التي ترتبط بحياة المواطنين، وأمن وسيادة واستقلال البلاد. مدركًا أن الازمة شاملة وتدخل في نسيج الدولة ومؤسساتها، وتعرقل قوتها الاقتصادية التي تعثرت خلال الفترة الماضية، فلم يتحقق ما من شأنه النهوض الشامل بالامن الغذائي للبلاد، ولا النهوض بالصناعة وتنويع واردات الدولة، وتوسيع الاستثمار، وتأهيل البنى التحتية المتآكلة.
وما زاد من الصعوبات عدم إعادة النظر بجدية في هيكلية انتاج وتسويق النفط والاهتمام بالمشتقات النفطية، فيما أعيد في المقابل تدوير أزمة الفساد الاداري والمالي، وتفكك الكثير من اجهزة استكمال الدولة ومؤسساتها. وبدلًا من تشجيع الاستثمارات وقطاعات العمل واعادة تشغيل المصانع المتعثرة بتأمين ما تحتاجه لاستيعاب الايدي العاملة العاطلة، جرى رفع مستوى التضخم الوظيفي في أجهزة الدولة وما ينطوي عليه من استنزاف للموارد وبطالة مقنعة.
كل ذلك جعل التحديات التي تواجه اي حكومة مضاعفة. ومع معرفة كل هذه الصعوبات استجبت لتحمل المسؤولية معتمدًا على تفهم الكتل والقيادات السياسية، وقبل ذلك جمهور شعبنا المبتلى، والمظلوم، والمطالب بحقوقه الطبيعية، لضرورات المرحلة، خصوصًا وأن التدني الخطير في موارد البلاد مع انهيار أسعار النفط يحتم على الحكومة البحث في كل الاتجاهات لإيجاد مصادر عاجلة لتسديد رواتب العاملين في الدولة، وتغطية النفقات الضرورية لتسيير شؤون والتزامات المؤسسات، وفي مقدمتها تأمين سلامة المواطنين من جائحة كورونا.
إنني اذ اضع هذه الوقائع امام شعبنا والقيادات السياسية، اؤكد مجددًا ان العراق أكبر من التحديات والازمات والمشاكل مهما بلغت، واننا بحاجة الى التعاون والتظافر مع كل قوى شعبنا من كتل برلمانية واحزاب سياسية وفعاليات اجتماعية وثقافية، وبتفهم من شبابنا المتظاهرين، بما يمكّن الحكومة القيام بواجبها.
وهذا الدعم مطلوب الآن من الكتل السياسية البرلمانية للمساعدة في استكمال التشكيلة الوزارية عبر التصويت على قائمة المرشحين للوزارات الشاغرة، من اجل المضي في وضع الخطط العملية لانجاز ما أوكل الى الحكومة من مهام المرحلة الانتقالية، والاستجابة للتطلعات المشروعة للمواطنين بتوفير الحد الممكن من الخدمات وسبل العيش الكريم وايقاف الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرضون لها، واعادة ابنائهم الذين تعرضوا للاعتقال والتغييب.
ينبغي ان لا يغيب عنا جميعًا اننا نجد أنفسنا بعد سبعة عشر عامًا، في وضعٍ لا نُحسد عليه، فسيادتنا استمرت منقوصة او منتهكة او معرضة للشكوك، وأراضي بلادنا يراد ان تصبح ميدانًا لصراع الآخرين، وأمن مواطنينا مهدد، لا من استمرار داعش وخلاياها النائمة، بل وايضًا من السلاح المنفلت خارج إطار الدولة، وكل مظاهر الفساد ونهب المال العام وتبديد الثروات، والمستوى غير المقبول لتصنيف العراق على صعيد التعليم والصحة والخدمات. فيما لم تعد البطالة ظاهرة يمكن احتواؤها، بل تجاوز عدد العاطلين وخصوصًا من بين الخريجين الى مستويات لم تبلغها في اي ظرف سابق. وبات خط الفقر، يضم امهات وعائلات الشهداء الذين جادوا بارواحهم دفاعًا عن الوطن.
ورغم ان الثروة التي دخلت خزائن العراق على مدار السنوات الـ ١٧ الماضية، كانت تكفي لإعادة بناء البلاد وتأسيس صندوق المستقبل، فان الفساد قد استنزفها، وهُرّب بعضها علنًا الى خارج البلاد، ولم أجد وانا أستلم المسؤولية الّا خزينة شبه خاوية!.
لقد وجدت من واجبي في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة أن أضع شعبنا أمام ما نواجه من صعوبات، من بينها التناقض بين الوعود العلنية التي أكدت على حريتي في اختيار التشكيلة الوزارية، وما يدور وراء الكواليس من مناورات وشد من قبل البعض. وهو ما يعرقل ويعطل استكمال الحكومة لكي تباشر مهامها بحيوية وتظافر في الجهود وصولًا الى الاهداف المعلنة.
ويبدو احيانًا أن ما نطلقه من تأكيدات لضرورة تصحيح مسارات العملية السياسية ووضع البلاد على طريق المعافاة لا تجد آذانًا صاغية لدى البعض هنا او هناك، دون الانتباه الى ان البلاد مهددة بما سيضعنا جميعًا أمام خيارات ليس فيها رابح وأفضلها الانحدار الى الفوضى، لا سمح الله، ما يدفع الى اعادة التأكيد على ضرورة ان يضع الجميع المصالح الوطنية العليا فوق المصالح الثانوية، وان تتظافر جهود جميع الكتل والاحزاب وبتفهم من شعبنا، لعبور هذه المرحلة.
ليس أمامنا سوى خيار الاستجابة للمطالب الشعبية العادلة التي عبرت عنها الحركة الاحتجاجية وساحات التظاهر، التي جمعت خيرة بنات وشباب شعبنا، والعمل المخلص على تحقيق مطالبهم باعادة مجد العراق وقوته وكرامته، وتصفية تركة المحاصصة المقيتة بكل تجلياتها، ومحاربة الفساد المالي والإداري.
وليس بالإمكان المباشرة بأية خطوة جادة دون الشروع بما يعيد للدولة هيبتها وبسط سيادتها، وهو ما يتطلب ان لا يكون أي طرفٍ مهما كان شأنه أو مصدر قوته أو موالاته فوق ارادة الدولة والدستور والقانون، وأن يصبح السلاح والقوة النارية بيد الدولة والقوات المسلحة وبإمرة القائد العام للقوات المسلحة.
اود التأكيد مرة أخرى لإزالة أي التباس، بان المهمة التي أنيطت بي هي عبور المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن، والاستجابة الى مهام ملحة مباشرة، ابرزها :
- إنجاز قانون الانتخابات مع ما يتطلبه من تدقيقات أو تعديلات، والانتهاء من الصيغة النهائية لقانون المفوضية العليا للانتخابات، وتأمين كل ما يلزم لإجراء الانتخابات في أقرب وقتٍ ممكن، والتعاون مع ممثلية الأمم المتحدة والمراقبين المحليين والدوليين، والتأكد من وضع الأسس الصحيحة لاجراء الانتخابات في جوٍ سياسيٍ وأمنيٍ يضمن نزاهتها وعدالتها.
- اتخاذ كل الاجراءات والتدابير بالتعاون بين وزارة الداخلية وجميع الاجهزة الامنية لحماية المتظاهرين والحرص على سلامة ساحاتهم، والتعبير عن ارادتهم بكل حرية، سلميًا.
- أعلن بوضوح كقائد عام للقوات المسلحة بأنني لم ولن أصدر أي أمر باطلاق الرصاص ضد اي متظاهر سلمي، ومن يقوم بذلك سيقدم الى العدالة. ومن واجب وزارة الداخلية واجهزة الامن منع اي طرفٍ ثانٍ أو ثالثٍ التداخل مع المتظاهرين.
- أعيد التأكيد هنا ثانية بأن أوامر قد صدرت الى كل الاجهزة الامنية باطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين، والبحث والتحقيق والتقصي لإيجاد المختطفين وتشخيص الذين قاموا بالاغتيالات ووضعهم أمام القانون.
- اتخاذ كل التدابير العاجلة لمواجهة الازمة الاقتصادية والمالية وترشيد الانفاق ومحاربة الفساد والبدء بالاصلاحات الضرورية، وحماية شعبنا من جائحة كورونا.
- وقبل وخلال كل ذلك استعادة هيبة الدولة وتأكيد السيادة الوطنية وحصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية المعنية، وضمان امن البلاد امام التهديدات الارهابية، وارساء سيادة القانون وان يكون الجميع سواسية امامه.
إنني اذ أتعهد بما أعلنه هنا، اجد من واجبي التعبير عن تقييم الكتل وقياداتها التي تجاوبت معي في التصويت على التشكيلة الوزارية المنقوصة، وأتطلع الى الجميع دعم جهودنا وما نقوم به من لقاءات وحوارات لاستكمال التشكيلة وتسهيل مهامها في إطار ما حددنا من مهام المرحلة الانتقالية.
وأختم برد على من نبهني الى أنني بلا حزبٍ سياسيٍ ولا كتلة نيابية تحميني فيما انا ماضٍ اليه من تعهدات قطعتها خدمة لشعبي، بقوله تعالى:
“مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”
صدق الله العلي العظيم