دعا بطريرك الكلدان في العراق والعالم، الكردينال رافائيل ساكو، الاثنين (5 نيسان 2021)، الى فصل الدين عن السياسة، في الوقت الذي قدم فيه مقترحات لتعزيز الوحدة الوطنية وحل مشاكل العراق.
وقال ساكو في بيان تلقت (الاولى نيوز) نسخة منه، “يصادف اليوم 5 من شهر نيسان ذكرى مرور شهر على زيارة البابا فرنسيس للعراق: “لأسألَ اللهَ عزاءَ القلوبِ وشفاءَ الجراح” كما صرح قبيل زيارته ببضعة أيام. ورددّ عبارة مُدوية خلال زياته: “ليصمت صوت السلاح، ويعم السلام”.
واضاف، “هذه الزيارة فرصة ممتازة ليستثمرها العراقيون لكي يعودوا بكافة أطيافهم ودياناتهم إلى ذاتهم ووطنيَّتهم ،ويتحلّوا بالمسؤولية، ويطووا صفحة الماضي، ويفتحوا صفحة جديدة للمصالحة وتعزيز الاخوّة بينهم، وإحترام التنوع وإرساء السلام، وإعادة بناء بلدهم وإحياء مؤسساته المتهالكة، وعودة النازحين الى مناطقهم وبيوتهم، فينعم الجميع بالسلام والحياة الكريمة، حالهم حال سائر البشر”.
واشار الى ان البابا فرنسيس اكد، “في كافة محطات زيارته على الاخوّة والتنوّع: وهو الموضوع الأساس الذي جاء في رسالته العامة “كلّنا اخوة”، وكذلك في “وثيقة الاخوّة البشرية” التي وقَّعها مع شيخ الأزهر احمد الطيّب في ابو ظبي – الامارات، ودعمها المرجع الاعلى سماحة السيد علي السيستاني بمقولته المؤثرة : “انتم جزءٌ منا ونحن جزءٌ منكم”. فالاخوّة البشرية هي هدف كلِّ المجتمعات والديانات، و ينبغي ان تكون نقطة رئيسية لنبذ الغلّو والكراهية وتغيير النظرة والفكر وبناء الثقة حتى نسير معاً الى الامام كإخوة وأخوات بالتسامح والمحبة واحترام التنوع، فنبني عالماً أكثر سلاماً وعدالة وكرامة وتقدماً. فالتعاون المتبادل يفتح الباب للمستقبل”.
واكد الكردينال ساكو ،ان “الاخوة في الوطن أساس العيش المشترك”، مبينا ان “العراقيين من حيث المبدأ والدستور مواطنون متساوون تماماً في الحقوق والواجبات، ولا يمكن ان تنحصر المواطنة في الدين أو المذهب، أو المنطقة أو العرق أو العدد. المواطنة حقٌّ كونيٌّ للجميع”.
واوضح بقوله “علينا ان نكتشف اُفقاً جديداً لاخوَّتنا الوطنية بحيث يشعر كلّ واحد ان العراق بيته. لربما حان الوقت لفصل الدين عن الدولة، وبناء دولة مدنية كما فعل الغرب المسيحي منذ زمان وتفعل دولة السودان هذه الايام! ان الدولة المدنية او العلمانية ليست معادية للدين، بل تحترم كل الاديان، لكنها لا تقحم الدين في السياسية. اعتقد ان هذا هو الضمان للعيش المشترك “الدين لله والوطن للجميع”. دولة مدنية تضمن حرية الدين وممارسة شعائر العبادة لكل العراقيين على حدٍّ سواء، وتحمي حقوق الانسان الواردة في كافة المعاهدات الدولية”.
وشدد ساكو في بيانه ،ان “الاخوّة الروحية الطريق إلى الله والى الإنسان وقد شاء البابا فرنسيس بزيارته للعراق أن يتقدمَ مع قادة دينيين عراقيين خطوة نحو الاخوّة الروحية بين المؤمنين، عندما التقى بسماحة السيد علي السيستاني وزار مدينة اُور ارض إبراهيم، ولقائه بممثلي الديانات الإبراهيمية الموِّحدة في العراق. هذه الديانات تستند إلى الطابع الإلهي في كتبها المقدسة وتنتسب الى إبراهيم”.
واكد ان “البشر عيال الله وإخوة وأخوات لبعضهم البعض. والإيمان ضمانة لتنوعهم وحريتهم وحقوقهم. في ذلك يقول القرآن: “إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (سورة القصص؛ آية 56) فلا توجد مشكلة في أن يتبع كلُّ فرد ديانته وتقاليده شرط ان يحترم ديانة اخيه الاخر لا ان يكفّره أو يخونه أو يُقصيه أو يزيله. هذا التنوع حاصل بمشيئة الله. قال البابا في اور: “القَناعَةِ الراسِخَةِ بأنَّ التَعاليمَ الصَّحيحَة لِلأدْيانِ تَدعُو إلى التَمَسُّكِ بِقِيَمِ السَّلام.. والتَعارُّفِ المُتَبادَل والأُخُوَّةِ الإنسانيَّة والعَيْشِ المُشْتَرَك” وأنّه “لا يَجُوزُ استِخْدامُ اسمِ اللهِ “لتَبْريرِ أَعْمالِ القَتْلِ والتَشْريدِ والإرْهابِ والبَطْش”.
وعلى أنقاض الكنائس الأربع والبيوت المدمرة في حوش البيعة وسط الموصل، رفع البابا صوته قائلاً : “إن كان الله إله الحياة، وهو كذلك، فلا يجوز لنا أن نقتل إخوتنا باسمه. وإن كان الله إله السلام، وهو كذلك، فلا يجوز لنا أن نشنّ الحرب باسمه. وإن كان الله إله المحبة، وهو كذلك، فلا يجوز لنا أن نكره إخوتنا… ليتوقف العنف باسم الله”. أحد الكرادلة الايطاليين كتب الي قائلا:”يا لها من فرحة الزيارة كان العراق خلالها قطعة صغيرة من الجنة بعد الجحيم الذي عاشه”.
واكد بالقول “اننا ومن المؤسف لقد فهم البعض ان البابا دعا الى اذابة الديانات في دين واحد. هذا غير صحيح ابداً. الاخوّة لا تعني ذوبان الهوية الدينية في دين واحد، بل دعوة ليحافظ كل واحد على دينه ومعتقده، لكن عليه ان ينفتح على دين اخيه الاخر ويحترمه. الاخوَة والتنوع هما قوة لبقائنا وتقدمنا. علينا ان نعيشها في ممارسات يومية ملموسة، خصوصاً ان العالم شرع منذ 2011 يحتفل بيوم الوئام العالمي في الاسبوع الاول من شهر شباط ومنذ 2021 في 4 شباط باليوم الدولي” للاخوة البشرية” و قد أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي السادس من شهر أذار من كل عام يوماً للتسامح”.
وقال علينا “الا نيأس امام بعض المعوقات والتيارات المتطرفة والأفكار المغلوطة أو نستسلم للفرقة، بل لنثابر على تعزيز الأخوة واحترام التنوع والعمل لينعم الجميع بالخير والعدل والعيش بفرح وسعادة كما يريد الله”.
وقدم الكردينال “ساكو اربعة مقترحات عملية منها بناء المناهج التربوية والتعليمية بشكل يرسخ الأخوة بين العراقيين ويوطد وحدتهم الوطنية وتنظيم فعاليات توعية للعراقيين بتنوعهم عبر عقد ندوات ومؤتمرات وبرامج تلفزيونية بين الحضارات والثقافات والديانات بغية اظهار القواسم المشتركة وتعميقها و احترام الخصوصيات المختلفة لان ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم”.
ودعا الى “انشاء مركز وطني يضم قاعات محاضرات ومكتبة متخصصة في مواضيع الحوار بين الديانات مما يساعد على تفكيك ظاهرة التشدد و يمنع انزلاق الشباب فيه وتفعيل قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ومواده، الملزم بحماية المقدسات ومنع الاساءة الى الديانات ورموزها ومعاقبة المسيء”.
وخلص بالقول “اننا على يقين من ان البشرية سوف تتقدم بفضل الاشخاص الكثر ذوي الارادة الطيبة الذين يهبون أنفسهم دون قيد؛ حتى في وقت الشدة وعدم الاستقرار من اجل اشاعة ثقافة الاخوة واحترام الخير العام. دعونا نتمسك بعلامات الأمل”.
