القنصلية الأردنية في العيون: بوابة جديدة للشراكات والتعاون
قال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الخميس، إن “قرار الملك عبد الله الثاني القاضي بفتح قنصلية في مدينة العيون، ودعمه لقرار التدخل لإعادة تأمين انسياب الحركة المدنية والتجارية بمنطقة الكركارات، يشكلان “تجليا للدعم الثابت الذي ما فتئت تعبر عنه الأردن للمملكة المغربية”.
وشدد الوزير، خلال ندوة صحافية مشتركة مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عقب افتتاح القنصلية العامة للأردن بالعيون، على متانة العلاقة التي تجمع بين قائدي البلدين، مثمنا “علاقات التعاون المثمر والتضامن الفاعل القائم بين المملكتين الشقيقتين”.
ومن جانبه قال الصفدي، إن افتتاح قنصلية عامة لبلاده، بالعيون، يؤكد مرة أخرى أن المملكة الأردنية الهاشمية “كانت وستظل دائما إلى جانب المغرب بخصوص قضية الصحراء”، مؤكدا على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، هي “الحل العملي المنطقي لتسوية هذا النزاع المصطنع”.
والقنصلية الأردنية التي رفعت عدد القنصليات العامة التي تم افتتاحها بمدينة العيون، منذ العام ما قبل الماضي، إلى 11 قنصلية، تؤكد أيضا على العلاقات المغربية الأردنية القوية، حيث كان الأردن قد شارك بوفد رسمي في المسيرة الخضراء عام 1975.
والأردن خامس دولة عربية تفتتح قنصليتها بالصحراء المغربية، بعد كل من جيبوتي وجزر القمر والإمارات والبحرين، ليبلغ بذلك عدد التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية الدولية بالأقاليم الجنوبية للمملكة 20 تمثيلية.
وتتقاسم عمّان والرباط موقفا مشتركا يقضي بالدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وفق القرارات الأممية ومبادرة السلام العربية، حيث يترأس الملك محمد السادس لجنة القدس، بينما تحظى الأردنية الهاشمية بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس الشريف.
وبحسب مختصين بالعلاقات المغربية الأردنية، فإن البلدان يمثلان جناحان مهمان لربط مشرق العالم العربي بمغربه، خصوصا وأنهما قد حرصا منذ سنوات على العمل المشترك بينهما لإنهاء الأزمات العربية، خصوصا التي تعرفها سوريا وليبيا واليمن.
وكان الملك محمد السادس قد قام بزيارة مخيم الزعتري المخصص للاجئين السوريين، بمحافظة المفرق شرق العاصمة عمّان، خلال نهاية العام 2012، حيث تفقد المستشفى المغربي العسكري الميداني الذي جاء تأسيسه بمبادرة ملكية مغربية لدعم جهود الأردن في إيواء اللاجئين السوريين.
وشارك المغرب إلى جانب الأردن بمعية دول عربية أخرى بقيادة المملكة العربية السعودية، في عملية “عاصفة الحزم” لتخليص اليمن من التمدد الإيراني، فيما ساند الأردن الجهود المغربية لدعم مسار الحل التوافقي في ليبيا، والذي انتهى إلى الاتفاق على معايير التعيين في المناصب السيادية السبعة، وإطلاق عملية سياسية في البلاد بعد حرب أهلية استمرت لعشر سنوات.
تعاون اقتصادي مثمروبالتزامن مع افتتاح القنصلية الأردنية في العيون، جمعت بين الوزيرين الصفدي وبوريطة، مباحثات شملت “محورية تعزيز التعاون في ميادين الاقتصاد والاستثمار والسياحة”،
ما جعل افتتاح القنصلية الأردنية بالعيون تكون مناسبة للدعوة إلى “تشييد شراكة استراتيجية تبعا للقرارات المتمخضة عن زيارة العمل والصداقة التي قام بها الملك عبد الله الثاني للرباط خلال العام 2019”.
وتقول الكاتبة والباحثة في العلوم السياسية، عائشة الدويهي، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “المغرب والأردن تجمعهما علاقات استراتيجية متعددة الجوانب في العديد من الميادين كالسياحة والطاقة المتجددة، وتبادل الخبرات في مجالات التأهيل المهني”.
وأضافت أن “تقريب الخدمات القنصلية الأردنية بالعيون” سيمكن بحسبها من “نسج علاقات استثمارية”، مشيرة إلى ما اعتبرته ‘آفاق الاستثمار بالمنطقة والتي تعد مجالا واعدا وورشا مفتوحا لا زال يستفيد من الأموال التي ضخت في ميزانية النموذج التنموي الجديد لجعله بيئة حاضنة وجاذبة للاستثمارات”.
وأشارت الدويهي إلى “الثورة التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمملكة من خلال النموذج التنموي الجديد، ومراهنته على مشاريع عملاقة في الاقتصاد البحري، والاقتصاد الأخضر، والطاقات المتجددة والبنية التحتية”.
وكانت وفود مكونة من رجال أعمال مغاربة وأردنيين، قد اجتمعت منتصف يناير الماضي، في منتدى الاستثمار الأردني المغربي، لبحث فرص ومجالات التعاون بين البلدين، وزيادة التجارة والاستثمار، في أفق التكامل الاقتصادي الاستراتيجي.
وبحسب معطيات إحصائية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أزيد من 23 مليون دولار خلال السنوات الماضية، وشمل المنتجات النباتية والورق والمواد النسيجية والصناعات الكيماوية كأهم الصادرات الأردنية نحو المغرب، فيما يستورد الأردن من المغرب الأغذية والمشروبات والمواد النسيجية.
ويهتم مجلس الأعمال الأردني المغربي المشترك ببحث فرص الاستثمار لدى البلدين، خصوصا في قطاع النقل والخدمات والسياحة والصناعات الغذائية والزراعية والخدمات المصرفية والمالية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة والرعاية الصحية والصناعات الدوائية.
وتجمع بين المملكتين نحو 60 اتفاقية استثمارية، منذ اتفاقية “أغادير” الموقعة بين المغرب والأردن، إضافة إلى تونس ومصر، عام 2001، ما تولد عنه إقامة منطقة التبادل التجاري الحر بين الدول العربية المتوسطية.ويرتقب بحسب خبراء أن يزداد النشاط الاستثماري بين المغرب والأردن،
بعد افتتاح القنصلية الأردنية في العيون، خصوصا بالنظر لأهمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، كمدار استراتيجي إفريقي كبير، وكعصب لمنطقة التبادل الحر الإفريقية الموقعة بداية العام 2018.
يقول الباحث السياسي والاستراتيجي، لحسن بوشمامة، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “التعاون المغربي الأردني يأخذ أكثر من مستوى بالنظر للعلاقات القوية بين البلدين”،
دون أن يستبعد أن يكون “من شأن افتتاح قنصلية أردنية في مدينة العيون المغربية إيجاد فرصة للتعاون الأمني”.
وأوضح بوشمامة أن “ما يميز الأردن والمغرب هو تنامي قدراتها باضطراد فيما يتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب العابر للحدود”،
مؤكدا أن “المغرب هو حارس المنطقة المتوسطية من الإرهاب المستفحل في الساحل والصحراء، بحكم نجاحات أجهزته الأمنية، وتحولها في ظرف وجيز إلى مصدر للأمان العالمي”،
معتبرا أن “الأردن تمكنت هي الأخرى من أن تكون حارسا للمشرق العربي من الإرهاب الذي توغل في سوريا والعراق المجاورتين لها”.
وزاد “إن الخبرة التي للبلدين في هذا الصدد، وعلاوة على آفاق التعاون الأخرى، ستوفر بنك معطيات وخبرات مهم لتدبير مخاطر الساحل والصحراء، خصوصا بعدما انتقلت بؤرة الإرهاب من سوريا والعراق إلى غرب إفريقيا”.