القافزون من المركب الغارق..الى أين؟
د. فاتح عبدالسلام
في أيام الاحتلال الامريكي وتشدق الحاكم المدني سيء الصيت بأنه يمن على شعب بلاد الرافدين بالخبز والسكر والزيت، وحين كان العراقي يسير ذليلاً امام العالم كون بلده محتلاً و مداساً ببساطيل الغزاة، كان رموز العملية السياسية ينفشون ريشهم فرحين، وجباههم خالية من تلك النقطة الثمينة، ويتباهون غير مبالين بأي عراقي يقول انّ العملية الجارية ستفضي الى نتائج مدمرة للبلد لانها مبنية على الانقسام والشرذمة اكثر منها كياناً لجمع الوطن الذي عانى من حكم الفرد وحروب ضارية وحصار مدمر ثم احتلال مُذل ومهين. وكانت كلمة التخوين تطلق على كل مَن يعارض العملية السياسية، وهي تنتج حروباً طائفية وقوانين وتشريعات وأعرافاً انقسامية مخزية، نخرت البلد بالساعات وليس بالأيام لشدة خطورتها. وكانت فقرة أربعة ارهاب قد جرى تجييرها لصالح تصفية معارضي تلك العملية المنتجة لمحصول رئيس قلَّ نظيره في العالم منذ قامت البشرية على هذا الكوكب، ألا وهو الفساد في كُل شيء، الفساد كعُرف حاكم تحت الشعارات الدينية.في هذه الايام، يتقافز دعاة ومؤسسو العملية السياسية من مركبها الغارق أمام امواج يخيل لهم انها انتهت لثوّار تشرين، يتقدمهم شهداء الناصرية والنجف والكوت والسماوة والبصرة وبغداد، وبتنا نسمع علناً الدعوة لتغيير مسار العملية السياسية أو اصلاحها جذرياً أو إزالتها واحلال البديل الوطني المنبثق من نبض الشارع مكانها، بل انَّ هناك سياسيين دعوا الى محاربة العملية السياسية حتى اسقاطها وهم كانوا جزءً أساساً في قيامها.هذه قراءات متأخرة جداً لفساد العملية السياسية، حتى باتت الخيارات قليلة لاصلاحها. لابدَّ من الاعتراف انَّ العملية ذاتها كان بإمكانها ان تقارب النجاح لو غيّرت ثوبها بعد الانسحاب الامريكي واستدركت وعملت في السنوات العشرة اللاحقة على تأسيسات وطنية تمنع الثغرات تحت شعار الوطن الواحد خارج المقولات الانقسامية التي لن يفوز أصحابها في النهاية، مهما كانت مكاسبهم المرحلية وفيرة، ذلك انَّ هناك خطاً للنهاية لهذا المطاف المحتدم، كما كان له خط شروع.لكن، يبقى السؤال الاهم ، كيف سيكون اصلاح العملية السياسية اذا افترضنا أنّ طروحات المتورطين بها صادقة حقاً، وليست وقوداً استهلاكياً لعبور الارض الحرام ؟