الفيضان آت .. والأمل مفقود –
الفيضان آت .. والأمل مفقود – زيد الحلّي
صدق من قال ان ضعف الحائط يغري اللصوص، فالحائط غير المتين، سهل التسلق والتحطيم، وكذلك الحال، مع المجتمع، فان كان شبابه غير متعلمين، حيث تسري الامية فيهم، فأن اطفاء جذوتهم وإيقاف عنفوانهم سهل، بل سهل جدا، وعند ذاك تزداد سعة الانتكاسة، ويصبح المجتمع برمته، ورقة في مهب الريح، ونحصد الخسران!قرأت قبل مدة، ان الجهاز المركزي للإحصاء، ذكر إن نسبة الأمية في العراق بين السكان الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات، بلغت 13 بالمئة وترتفع النسبة بين الإناث ممن تزيد أعمارهن عن 10 سنوات، لتصل إلــــى 18 بالمئة اكيد انكم تشاطروني الرأي، بان هذه النسبة مثيرة للهلع، وهي تؤدي الى خفقة كارثية في القلب، لاسيما ان العراق في السبعينات، غادر كهف الامية في صفوف مواطنيه، بحسب منظمات دولية، فكيف تسربت جرثومة ” الامية ” الى جسدنا، وخصوصا في صفوف فتيته وصباياه، بهذه النسبة التي تنهش عقول الأجيال، فتحطم نفوسهم وتكسر مجاديفهم، حتى يظل كل واحد منهم يراوح مكانه، بلا أمل..!لقد سألت شاباً في العشرين من عمره، يبدو على محياه واناقته، انه من المتعلمين كونه من العاملين في مهنة الديكور ومستلزماته، عن تحصيله الدراسي، فقال انه لا يعرف من القراءة والكتابة سوى اسمه والتوقيع على “الصكوك” التي يتعامل بها في المصارف نتيجة مهنته، وانه ترك الدراسة منذ الصف الثالث الابتدائي!وحين ابديت تعجبي، بادرني بالقول هازئاً ان جميع زملائه مثل حالته، فلم تعد مواصلة الدراسة تهمهم، مضيفاً إنه متزوج من خريجة كلية تكبره بأربع سنوات، قعيدة البيت، رغم سعيه وسعيها للتعيين دون جدوى..واذا ابتعدنا عن حالة هذا الشاب، وسبرنا غور ظاهرة تفشي الأمية، فسنجد ان الاخطار التي تحيط بالمجتمع بسببها كبيرة، وخطيرة، وإن غدها غول وفيضان مدمر، لا يمكن ايقافه إلاّ بوقفة مسؤولة، تشارك فيها كل اطراف الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بكل صنوفها واطيافها..علينا الاعتراف أن هناك صلة مباشرة بين الفقر والجهل والمرض (وهو ما يعرف بالدورة الشيطانية) وبين ظاهرة تفشي الأمية، وفي رأيي ان موضوع الأمية لم يعد يختصر على الجهل بالقراءة والكتابة “فك الخط” فقط، بل تخطاه ليشمل في عالم اليوم، متسارع الخطى ما يعرف بالأمية التقنية، والأمية الوظيفية والأمية الحضارية والأمية الهجائية.ان مبررات نمو ظاهرة الأمية، عديدة، ومتشعبة الفروع، لعل سوء الوضع المعيشي والأمني وعدم الاستقرار النفسي، واتساع رقعة بطالة الخريجين، تقف في مقدمة التبريرات، لكن ذلك لا يمنع من القيام بدراسات معمقة قبل ان نهدم كل بناء قائم!فهل نحن فاعلون ؟.. لا اظن!!