الفقر يجتاح العراق ومؤشرات لكارثة إنسانية
يعاني العراقيون مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة في ظل فرض حظر التجوال بسبب انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى اعتقاد خبراء احتمالية ارتفاع معدل الفقر، الذي قد يصل إلى 40% وفقاً لعدم قدرة الحكومة على تعويض المتضررين على إثر انهيار أسعار النفط.يهاجم الفقر والجوع حياة العراقيين وسط اضطراب سياسي بين الأحزاب الحاكمة، وفي ظل تراجع أسعار النفط تتصاعد المطالبات بإيجاد حلول واقعية لمساعدة المتضررين بسبب فرض حظر التجوال، على إثر انتشار جائحة فيروس كورونا، أما المشهد الاقتصادي فيعاني تخبطات معقدة تزيد من جراح المواطنين، وربما ستجبرهم على كسر القيود القانونية والنزول إلى الشوارع من أجل لقمة العيش.هبوط أسعار النفط أفاد تقرير بأن الاقتصاد العراقي ينهار بفعل الضربة المزدوجة لانخفاض أسعار النفط وإجراءات الإغلاق التي تفرضها الحكومة بسبب تفشي كورونا، إذ يقف البلد بكامله على حافة الكارثة. أن تفشي الوباء أدى إلى هبوط أسعار النفط العالمية وعائداته التي تُبقي العراق على قيد الحياة، ثم جاءت الضربة الثانية بإعلان إجراءات الإغلاق التي دمرت سبل العيش ووضعت بعض الأسر تحت خط الفقر وفي دائرة الجوع.في هذا الصدد تحدث أحمد طبقجلي كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق آسيا ، وقال: “تعاني الحكومة العراقية عجزاً اقتصادياً كبيراً يصل إلى 32 مليار دولار، وسط تراجع واردات بيع النفط، وتعطُّل المشاريع الإنتاجية، وهذا ما كان له أثر سلبي كارثي أدى إلى انهيار قدرة الدولة على مواجهة كورونا مع ارتفاع أعداد الفقراء إلى 7 ملايين في عموم العراق”.وتابع طبقجلي: “مشاكل النظام السياسي للعراق بعد سقوط بغداد عام 2003، رسمت مؤشرات التراجع الاقتصادي بسبب توزيع السلطة بين مختلف الجماعات العرقية والدينية على أساس طائفي، وسعي كل طرف لاستغلال موارد الدولة، بخاصة في الوظائف الحكومية، حتى أصبحت النتيجة قطاعاً عاماً متضخماً، يستنزف ما يقدر بنحو 50 مليار دولار كل عام للرواتب والاستحقاقات وحدها، تشكل غالبية ميزانية الدولة”.وأضاف: “ازدياد معدلات البطالة وانتشار الفقر بين سكان العراق، لم يكن نتيجة فوضى الواقع السياسي اليوم، بل تكونت الأزمة خلال السنوات الماضية، بسبب الفساد وانشغال رجال السياسة بمصالحهم”.ارتفاع معدلات الفقر والبطالةووفقاً لآخر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، فإن أكثر من 20% يقبعون تحت خط الفقر الوطني، فيما تصل نسبة البطالة بين فئة الشباب إلى 22.7%، كما كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تزايد نسبة الفقر في البلاد بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط.وفي هذا السياق صرّح وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي، بالقول إنه: “وعقب انتشار كورونا انخفضت أسعار النفط عالمياً، وانعكس الأمر سلباً على زيادة نسبة الفقر في البلاد، إذ ارتفعت من 22% إلى 34%”، مرجحاً أن يُحدث ذلك أزمات اقتصادية وصحية.وتابع الركابي: “الوزارة تسعى لتجاوز الأزمة من خلال التعاون مع جهات دولية لإيجاد حلول سريعة لتخفيض معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى محاولات الحكومة تنفيذ إجراءات تُقدِّمها الدولة للشرائح التي ترعاها الوزارة من خلال توزيع المنح بين المواطنين من أصحاب الدخل المحدود الذين تضرروا من إجراءات فرض حظر التجوال الوقائي”.وأفاد الركابي قائلاً: “سبق أن قدمنا طلباً لمجلس الوزراء برفع سقف الإعانة الاجتماعية وتوسيع الشمول لمستحقيها، فضلاً عن قيام الوزارة بحملة تفتيشية موسعة للشركات الاستثمارية لتسجيل بيانات العمال العراقيين والأجانب ليجري شمول العمالة المحلية بقانون الضمان الاجتماعي. لكن الأزمة الاقتصادية كبيرة وربما ستواجه الدولة صعوبات جمة في سبيل مواجهة الفقر”.من جانبه، تحدث غايب العميري عضو لجنة الصحة البرلمانية، وقال: “إن نسبة العائلات العراقية التي أصبحت تحت خط الفقر تقدر بـ48%، لكن الحكومة لا ترغب في تحديث معلوماتها كي لا تصدم المواطنين، داعياً للانتباه لهذه النسبة الكبيرة عند فرض حظر التجوال الشامل”.وأضاف العميري: “فرض الحظر ضروري، لكن على أن يكون حظراً أمنياً وصحياً في آن واحد، وتطبيق الإجراءات يجب أن يكون مرافقاً لتوفير المقومات المعيشية للعوائل الفقيرة وإعطاء منح مالية طارئة”.قروض لمواجهة الأزمة الماليةاستناداً إلى آخر إحصائيات تفشي فيروس كورونا في العراق، وافق البنك الدولي مؤخراً على إعادة تخصيص قروض للدول النامية التي تضررت بسبب الحروب، ضمن مشروع العمليات الطارئة من أجل مساندة جهود وزارة الصحة في الوقاية من وباء COVID-19 واكتشافه والاستجابة له.وحول هذا الأمر، تحدث مستشار رئيس الوزراء العراقي للسياسات المالية مظهر صالح، قائلاً: “إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه الشهر الماضي بين العراق وصندوق النقد الدولي يسير وفقاً للمخطط له، إذ جرى تقديم الموافقات القانونية والتصويت من البرلمان على الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي من شأنه توفير 5.4 مليار دولار على مدى 3 سنوات”.وتابع صالح: “الاقتراض جاء نتيجة عجز ميزانية الدولة في مواجهة كورونا، إضافة إلى المصاريف الهائلة التي صُرفت أثناء تحرير المناطق العراقية من سيطرة تنظيم داعش، بالتالي نتوقع أن نحصل على 600 مليون دولار كدفعة أولى من صندوق النقد الدولي، ما سيساعدنا على تقديم مساعدات مالية وغذائية للمتضررين بسبب حظر التجوال”.كما أضاف: “سنجري بعض الخطوات كي نتجاوز قليلاً الأزمة المالية بسبب انخفاض إيرادات النفط، ومن بين هذه الخطوات زيادة الضرائب على المنافذ الحدودية، وتحسين مستوى الرقابة المصرفية لمحاربة الفساد وعمليات غسيل الأموال”.شهادات المتضررين بسبب كوروناتنذر جائحة كورونا وما رافقها من إجراءات حظر التجول في عموم مدن العراق، بتعقُّد الأزمة مع قياس الضرر الذي أصاب القطاع الخاص، بالتزامن مع انهيار أسعار النفط ودخول البلاد أزمة مالية خانقة تسببت في تعثر دفع مرتبات المتقاعدين والمشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، يضاف إلى ذلك أصحاب الدخل اليومي من غير الموظفين في دوائر الدولة.تحدث محمد رحيم وهو معلم متقاعد في العاصمة بغداد، ووصف حياته الصعبة بسبب تأخر الرواتب وانقطاعها، قائلاً: “منذ 3 شهور لم نستلم رواتبنا وابني مريض يحتاج إلى عملية جراحية في ظهره، ولا أستطيع وضعه في المشفى بسبب عدم استطاعتي تحمُّل مصاريف العملية، وكلما أذهب لمراجعة الضمان الاجتماعي، لا ألقى أي إجابة تشفي الغليل، لذلك اضطررت إلى عرض أثاث بيتي للبيع، وجلست على الأرصفة عارضاً الحاجيات القديمة”.أما سلمى عباس وهي عاملة نظافة في إحدى مدارس محافظة البصرة، فقالت: “أعمل بنظام الأجر اليومي الذي يصل إلى 5 آلاف دينار (ما يعادل 3 دولارات)، ولا أزال أنتظر من سنتين تحويل عقدي إلى تثبيت شهري على ملاك الدولة، لكني لم أتسلم أي مبلغ منذ يناير/كانون الثاني لعام 2020، فكيف سأعيش ولديَّ 4 أطفال وزوجي شهيد قُتل بعمليات تحرير الموصل عام 2017، والآن مضطرة إلى العمل في بيوت الناس كي يكون بمقدوري جلب الطعام لأطفالي اليتامى”.من جانب آخر، تحدث الفلاح عمر الدليمي الذي يسكن محافظة الأنبار غربي العراق، وقال: “نعاني أزمة كبيرة ولا نملك المال لزراعة الأرض، والحكومة توقفت عن إمدادنا بالبذور والمبيدات، بالإضافة إلى توقُّف الإنتاج الزراعي بسبب فرض حظر التجوال وعدم قدرتنا على الذهاب إلى السوق لبيع بعض الخضار الذي زرعناه في الأشهر السابقة مما تبقى لدينا من بذور السنة الماضية، ولكن من شهر نفد كل شيء. لذلك اتفقنا أنا ومجموعة من الفلاحين على بيع بعض المواشي من الحيوانات كي نشتري البذور ونزرع الأرض، ولن نهتم للإجراءات القانونية وسنعود لحرث الأرض، لأن حكومتنا لا تحترم مشاعرنا والفقر يزيد من معاناتنا”.كارثة إنسانيةحذر برنامج الغذاء العالمي الوكالة التابعة للأمم المتحدة من أن وباء كوفيد-19 يمكن أن يؤدي بسبب انعكاساته الاقتصادية المدمرة إلى تضاعف عدد المهددين بالمجاعة وربما يتحول إلى كارثة إنسانية على مستوى العالم، فيما توقعت وزارة التخطيط العراقية ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى أكثر من 20% بسبب ظروف جائحة كورونا.في هذا الصدد قال المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي: “الأزمة… أدت إلى تزايد نسبة الفقر في العراق من 20% إلى 34% ومن المتوقع أن ترتفع أكثر من ذلك لكن بنسب محدودة”.وتابع الهنداوي: “ربما نتعرض لكارثة إنسانية كبيرة إذا ما انفجر الشارع العراقي وكسر حظر التجوال بسبب الفقر، وهذا يستدعي تكاتف مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية والمحلية لتقديم مساعدات فورية للسكان خصوصاً في المناطق الشعبية والقرى والأرياف”.من جهته، تحدث أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، وقال: “إن العراق يعاني مشكلات اقتصادية معقدة، إضافة إلى تفشي كورونا وانهيار أسعار النفط مع عدم إقرار الموازنة، وخلية الأزمة الصحية المتعلقة بالوباء شهدت كثيراً من التغييرات خلال أيام قليلة، وبالتالي لم تستطع توفير 5 ملايين دولار لوزارة الصحة، وهذا مؤشر على فشل الملف الصحي الحكومي”.وتابع المشهداني: “قديماً كانت توفر الحكومة مواد غذائية على شكل بطاقة تموينية، تعطيها للمواطنين كحصة قانونية لدعم السكان، ولكن هذا الإجراء توقَّف منذ سنوات طويلة بسبب الفساد والصراعات السياسية وسيطرة الفصائل المسلحة على آبار النفط، ما أدى إلى إلغاء البطاقة التموينية التي كانت تعين الفقراء ولو بنسبة قليلة”.يعاني العراقيون مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة في ظل فرض حظر التجوال بسبب انتشار فيروس كورونا في البلاد، الأمر الذي أدى إلى اعتقاد خبراء احتمالية ارتفاع معدل الفقر، الذي قد يصل إلى 40% وفقاً لعدم قدرة الحكومة على تعويض المتضررين على إثر انهيار أسعار النفط، إضافة إلى إمكانية حدوث كارثة إنسانية وانتشار كورونا بسبب كسر المواطنين لحظر التجوال في الأيام القادمة، وهذا ما يضع الدولة تحت ضغوطات قانونية وحقوقية وسط أنباء عن عودة الاحتجاجات في البلاد للمطالبة بإنقاذ الشعب من أزماته والالتفات إلى معاناة الفقراء وترك المحاصصة السياسية.