الفساد يوتّر العلاقة بين عبد المهدي والبرلمان العراقي
تصاعدت حدّة التوتر بين البرلمان العراقي ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي، إثر تصويت المجلس من حيث المبدأ على إلغاء مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات العراقية، وإصراره على التصويت النهائي على هذا الأمر. وإزاء هذا الوضع، وبعد تصويت البرلمان، عقد رئيس الحكومة اجتماعاً لمجلس مكافحة الفساد الذي يرأسه، أعلن فيه رفض المجلس إلغاء المكاتب، وتأكيد دعمه لبقائها، على اعتبار أنّها شُكّلت بشكل قانوني، ليبدأ حراكاً قانونياً للدفاع عنها. في المقابل، صعّد بعض نواب البرلمان من ردهم إزاء ذلك، بحراك جديد لاستجواب وزراء في الحكومة، الأمر الذي خلق أجواء مشحونة بين البرلمان وعبد المهدي تنذر بأزمات قد تؤثر حتى على ملف إكمال الحكومة.
ويوجد في كل وزارة عراقية، مكتب للمفتش العام، يتولى مهمة مراقبة عمل الوزارة، من الوزير حتى أصغر موظف فيها، إلا أن هذه المكاتب تعرضت لانتقادات كثيرة، أبرزها التغطية على ملفات فساد، والدخول في صفقات ابتزاز، فضلاً عن ارتباطها بالسلطة التنفيذية.
“ مجلس مكافحة الفساد بدأ حراكاً لمنع التصويت على إلغاء مكاتب المفتشين “ |
وكشف مسؤول سياسي مطّلع، لـ”العربي الجديد”، أنّ “مجلس مكافحة الفساد الذي يرأسه عبد المهدي، بدأ حراكاً من جانبين لمنع التصويت على إلغاء مكاتب المفتشين، من خلال محاولاته الضغط على هيئة رئاسة البرلمان لمنع التصويت على القانون، إضافة إلى التواصل مع السلطة القضائية لنقض أي قانون يُصوّت عليه البرلمان”.
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ “عبد المهدي يصر على عدم تمرير هذا القانون، خصوصاً أنّ مجلس مكافحة الفساد يقوم بتقييم عمل مكاتب المفتشين، ويجب الانتهاء من تلك التقييمات رسمياً ليتم في ضوئها اتخاذ القرار المناسب تجاه تلك المكاتب بإبقائها أو إلغائها”، موضحاً أنّ “عبد المهدي لا يقبل بأن يتجاوز البرلمان مجلس مكافحة الفساد”. وأشار إلى أنّ “رئيس الحكومة يرى أن عمل البرلمان يجب ألا يتعارض مع مجلس مكافحة الفساد، ويجب أن يكون هناك تنسيق وتعاون بينهما، لا تعارض في التوجّهات، كون ذلك لا يصب في صالح محاربة الفساد”.
ردّة فعل عبد المهدي، ورفضه توجّه البرلمان، أدّيا إلى حراك برلماني مقابل ضدّ حكومته، من خلال السعي لاستجواب وزيرين، وهما وزير الخارجية محمد علي الحكيم، ووزير الاتصالات نعيم الربيعي. وأظهرت وثيقة تداولتها وسائل إعلام محلية، طلباً مقدّماً من خمسة نواب عن تحالف “البناء”، هم فالح الخزعلي، وعبد الإله النائلي، وياسر المالكي، وخلف عبد الصمد، ومحمد الدراجي، لاستجواب وزير الخارجية، بينما كشفت مصادر عن حراك لاستجواب وزير الاتصالات.
من جهته، قال النائب المستقل، كاظم الصيّادي، في تصريح صحافي، إن “هناك مصالح في بقاء هذه المكاتب، وقانون إلغائها سيصب في صالح قضية الإصلاح، والقضاء على الفساد”. وشدد على “أننا ماضون في التوجّه لإلغاء المكاتب. وهناك إصرار من قبل هيئة رئاسة البرلمان على أن يتم طرح التصويت في جلسة البرلمان المقبلة”.
في غضون ذلك، تصاعدت حدّة الانتقادات البرلمانية لأداء حكومة عبد المهدي. وفي هذا السياق، قال النائب عن تحالف “سائرون”، علاء الربيعي، في بيان صحافي، إنّ “هناك ضعفاً في مستوى أداء رئيس الحكومة، وهو يقف عاجزاً أمام الفساد، ما أثبت أنّ حكومته ليست حكومة خدمات”. وأشار إلى أنّ “مجلس النواب أخذ المبادرة لتشخيص مفاصل الضعف في الحكومة، وسيبدأ بتفعيل الاستجوابات وتقويم عمل الحكومة”.
وأكد مسؤولون عراقيون أنّ المكاتب لم تقم بأي دور رقابي طوال فترة عملها، بل كانت حلقة إضافية لحلقات الفساد. وقال عضو في هيئة النزاهة، لـ”العربي الجديد”، إنّ “المكاتب لم تؤدِ أي دور حقيقي خلال سنوات تشكيلها وحتى اليوم، بل كانت بمثابة سيف مسلط للدفاع عن الفساد، وتناست واجبها وعملها الحقيقي بأن تتابع الفساد، وهو صلب واجبها، فهي هيئات رقابية”. وأكد أنّ “الفساد استشرى في الوزارات، مع وجود تلك المكاتب”، مضيفاً: “هناك وزراء وأحزاب تتحكم بملفات التعيينات وغيرها، وهناك نسب معينة تذهب لهذا الحزب وذاك، عن طريق المقايضات بين الأحزاب النافذة وبين تلك المكاتب”، مشيراً إلى أنّ “ارتباط المكاتب بالوزراء جعل منها مافيات تساهم بشكل كبير في نشر الفساد. والفاسدون لم يخشوا العقاب بوجود هذه المكاتب”.
“ التصادم بين البرلمان والحكومة ستكون له نتائج غير جيدة على علاقتهما “ |
وفي ظل تصاعد هذا الخلاف، يرى مراقبون أنّ عبد المهدي يستند إلى قانون يعدّ باطلاً في إصراره على إبقاء مكاتب المفتشين. وقال الخبير السياسي، فؤاد الغريري، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ “عبد المهدي يعدّ توجّه البرلمان لإلغاء المكاتب مشكلة قانونية، وفق الأمر رقم 57 لسنة 2014، ولكن هذا الأمر ملغى بموجب الدستور العراقي”، موضحاً أنّ “هذا الأمر يعد ملغياً كونه اتُخذ من قبل الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر، ثم نُسخ في الدستور العراقي الذي كتب عام 2005، والذي لم يشِر إلى وجود تلك المكاتب”.
وأكد الغريري أنّ “أي تصويت للبرلمان سيكون هو الفاصل، ولا يمكن لعبد المهدي ولا حتى السلطة القضائية نقضه”، مشيراً إلى أنّ “مجريات هذا التصادم بين البرلمان والحكومة ستكون له نتائج غير جيدة على علاقتهما”، موضحاً أن ذلك “سينعكس على عمل الحكومة، وحتى على إمكانية إكمال وزاراتها الشاغرة، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة ستشهد أزمات متعاقبة ستنعكس بشكل عام على الوضع السياسي العراقي، وعلى عمل الوزارات العراقية”.
بغداد ــ أكثم سيف الدين