الفساد في العراق .. آفة باتت تنخر الشعب ولا يشعر بها المسؤولين
لا احد من العراقيين ينسى ما قاله الرئيس المصري محمد حسني مبارك، عن خير العراق، بانه البلد الاغنى في الشرق الأوسط ومنها دول الخليج، وفيه من الموارد التي تستطيع ان تأكل منها 7 دول مجتمعة، فضلا عن نهريه وارضه الخضراء التي تثمر فيها أي بذرة حتى لو سقطت سهوا.
هذا الخير الذي رزقه الله لهذا البلد، لم يستطع النظام السابق ان يستثمره، بعد ان بدده في ملذاته وحروبه ومغامراته التي انهكت العراق، ولم يستطع النظام الجديد المحافظة عليه الذي خلف شعب جائع فيه اعظم طبقة فقيرة، واكبر نسبة عاطلين عن العمل في تاريخه.
المفارقة ان العراق الدولة الوحيدة في العالم التي تملك اكثر مؤسسات رقابية لمتابعة الفساد، في حين انها في مقدمة الدول التي يستشري بها الفساد، فهناك ديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، فضلا عن السلطة التشريعية الأعلى في البلاد المتمثلة بمجلس النواب، وكذلك دائرة التدقيق الداخلي التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء، الا ان العراق يعتبر بين أكثر دول العالم فسادا، وذلك بحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.
فكل هذه المؤسسات الكبيرة لم تستطيع اكتشاف الفساد، حتى ترسخ الانطباع في ذهنية العراقيين من مواطنه البسيط وقادته السياسيين، بان الفساد هو “الشبح” الذي يتكلم عليه الجميع، ويدعو السياسيين الى مكافحته، لكن جميعهم لا يروه!
وفي الآونة وفي خطوة رحب بها الاغلب، بشرط ان تكون مصحوبة باجراءات عملية لمكافحة الفساد، اطلق رئيس الجمهورية برهم صالح، مشروع قانون “استرداد عوائد الفساد” الذي قال إنه يسعى لتعزيز عمل الدولة العراقية واستعادة أموال الفساد ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدالة.
وبحسب كلمة صالح “يتضمن القانون إجراءات استباقية رادعة” و”خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد” الذي قال الرئيس إنه تسبب بخسارة أموال طائلة “تقدر بالمليارات” من مجموع واردات العراق المتأتية من النفط منذ 2003 والتي تقرب من ألف مليار دولار.
وأضاف صالح، ان “هناك معطيات ومؤشرات تُخمن أن ما لا يقل عن 150 مليار دولار من صفقات الفساد تم تهريبها إلى الخارج.
وتابع ، أن “القانون “يسعى لاسترداد هذه الأموال عبر إبرام اتفاقات مع البلدان، وتعزيز التعاون مع المنظمات والجهات الدولية المتخصصة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة لكبح هذه الظاهرة.”
ورغم إيجابية الخطوة، الا خبراء السياسة قالوا إن الرئيس ليس لديه حزب يدعمه في البرلمان سوى نواب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذين يختلفون مع برهم صالح أكثر مما يدعمونه كما يقول المحلل السياسي الكردي زبير هورامي.
ويضيف هورامي أن الأحزاب السياسية مشارك كبير في الفساد الذي يعيشه العراق، واللجوء إليها من أجل إقرار قانون يكافح أموالها في الخارج قد تكون رومانسية زائدة من الرئيس.
ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة عام 2020، اعلن رئيسها الكاظمي عن إجراءات لمكافحة الفساد وتهريب الأموال العراقية إلى الخارج كان أهمها قرار رفع الدعم عن العملة العراقية أمام الدولار مما تسبب بارتفاع أسعار السلع التي يشتريها العراق بالدولار الأميركي.
كما قامت الحكومة بحملة لمكافحة الفساد والتهريب في المعابر الحدودية العراقية، وحملة مكافحة الفساد في ملفات الاستثمار في البلاد، وفي الوقت نفسه أعلن اعتقال مسؤولين كبار بضمنهم مدراء عامون فيما يحقق القضاء مع وزراء سابقين.
يوسع رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، أدواته لمحاربة الفساد، لتشمل جهات خارجية، وذلك بعد التقدم الملموس الذي تحقق خلال الفترة الماضية، مثل اعتقال زعامات سياسية متورطة بملفات فساد، وتفعيل دور الأجهزة الرقابة المختصة، في هذا الشأن.
واذا كانت الكتل السياسية هي مشاركة في الفساد، اذن من سيكافح الفساد، ولماذا تسكت هذه الكتل عن فساد بعضها البعض؟
الجواب ادلت به ، الخبيرة الاقتصادية البارزة سلام سميسم، التي عدّت ان تعدد اللجان والجهات وعامل المحاصصة هو المساعد على الفساد.
وقالت سميسم لـ (بغداد اليوم)، ان “كل جهة تخضع لجهة معينة، حتى ساد موضوع تبادل المنافع الخدمات بينهم”.
وضربت سميسم مثال، ان “الجهة الفلانية تسكت عن جريمة فساد، في مقاب تسكت الجهة الأخرى عن جريمة الفساد التي ارتكبتها الجهة الأولى … وهكذا
اما مدير مركز القرار السياسي، حيدر الموسوي، فرأى، ان يطلق من تصريحات سياسية لمكافحة الفساد، لا تعدو كونها الا خطابات إعلامية لا تجد من يطبقها على ارض الواقع.
وقال الموسوي لـ (بغداد اليوم)، ان “هناك الكثير من الأطراف ليس من مصلحتها مكافحة الفساد، لانها مستفيدة من هذا الفساد، وهذا الامر يجعل مكافحة الفساد من اكبر المهمات صعوبة على أي طرف يريد مكافحته بنية صادقة وطيبة”.
ومنذ عام 2003 يعتبر العراق من أعلى الدول في معدلات الفساد الإداري والمالي، وهو موجود بشكل ملحوظ في عدة مرافق إدارية في العراق، وهناك سياسيون كبار في العراق الأوائل من ألذين تحاصرهم تهم الفساد (حسب تصريحات متعددة لسياسيين بارزين).
وبسبب ذلك يعتبر العراق مع عدة دول مثل أفغانستان و الصومال و اليمن و السودان و ليبيا من أكثر الدول في معدلات الفساد حسب إحصاء باروميتر للفساد.
وبسبب الفساد الهائل في العراق، فإن هناك نقص هائل في الخدمات وتدهور للبنى التحتية وتدهور للتنمية الصناعية والزراعية، من امثلة الفساد المستشري، بحسب النائب السابق في لجنة النزاهة النيابية، رحيم الدراجي، إن هناك أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي، وتسلمت شركات وهمية نسبة تتراوح بين 30 إلى 60 بالمئة من الأموال استنادا إلى هذه العقود.
وأهدرت ما بلغ 228 مليار دولار في مشاريع بناء وبنى تحتية، على الورق فقط، وهي قيمة تفوق بثلاث مرات الموازنة الوطنية وإجمالي الناتج المحلي للبلاد بالرغم من الأموال الهائلة التي تتحقق من بيع النفط حيث يحتل العراق المرتبة الثانية في الدول المنتجة للنفط أوبك ولكن يظل معتمدا اعتمادا كليا على الاستيراد حتى للكهرباء والمنتجات النفطية.