العنف الاسري..ظاهرة تتنامى في كردستان ومعنيون يقترحون الحلول لمعالجتها
العنف الأسري، ضد المرأة، وضد باقي أفراد العائلة وبمختلف الأسباب والمسببات ظاهرة تتنامى في إقليم كردستان.
وعلى الرغم من تشريع برلمان الإقليم عام 2011 قانوناً خاصاً للحد من هذه المشكلة عرف بقانون رقم 8، والذي تشكلت على آثرهِ المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة والأسرة ومحكمة خاصة لاصدار العقوبات إلا أنه ونتيجة تداعيات جائحة كورونا وأسباب عدة ذكرها معنيون في هذا التقرير تتنامى وتزداد حالات العنف الأسري ليصل معدل الشكاوى الشهري للألف تقريباً.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2021 وفق لآخر احصائية منشورة بخصوص حالات العنف الأسري، سجلت المديرية 8 حالات قتل و16 حالة انتحار و22 حرقا للنفس و45 اعتداءً جنسياً، فيما بلغ اعداد الشكاوى 3211.
الداخلية: أسباب كثيرة لزيادة العنف الأسري تتسع لعدة مديات
التقت مدير مديرية العنف ضد المرأة والاسرة المقدم سفين ظاهر والذي تحدث بدايةً عن عمل ومهام دائرته المرتبطة بوزارة الداخلية بالاقليم بالقول: “لدينا خط ساخن بالرقم 119 وكل مواطن يتعرض للعنف الأسري بإمكانه الاتصال بنا وسنتعامل مع ما يدلي به من معلومات بسرية تامة حفاظاً على خصوصية الأفراد وعوائلهم”.
ويضيف في حديثه لوكالة الرسمية تابعته(الاولى نيوز)، “حسب نوع الشكوى يتم في أحيان معينة الاستعانة بالسلطة القضائية إذ إن هنالك حالات تحتاج الى قرار القاضي وأخرى يتم التدخل بها من قبلنا مباشرة وبسرعة، ولكن بشكل عام يتم تسجيل محضر شكوى ويتم ارساله الى القاضي لاصدار قرار بشأنه ولدينا الية خاصة وعلمية ومتطورة لانجاز هكذا نوع من المسائل لغرض المحافظة على سرية التفاصيل والاسماء”.
وبخصوص صلاحية إصدار العقوبات أوضح طاهر: “نحن جهة تنفيذية ولسنا جهة اصدار عقوبات فهي من صلاحيات القضاء الذي يقوم باصدار عقوبات مناسبة لكل حادثة وبحسب قانون رقم 8 الخاص بالحد من العنف الاسري لعام 2011 فإن هنالك محكمة خاصة وقضاء مختصين للنظر بهذه القضايا الخاصة بالعنف الاسري، ويشمل هذا القانون العنف داخل الاسرة وليس فقط ضد المراة، وتشتمل الشكاوى المعنونة بأنها عنف أسري إلى الأقرباء من الدرجة الرابعة الام والاب والاطفال والازواج واولاد العم والعمة واولاد الخال والخالة والجد والجدة، وخارج هؤلاء فإننا لا ننظر بقضيتهم لأنها خارج اختصاصنا”.
وحول السبب المباشر لازدياد حالات العنف الأسري بين طاهر، أن: “الزيادة مرتبطة بعدة عوامل اهمها انفتاح المجتمع والتطور التكنلوجي السريع وتغيرات الحياة وازدياد الحرية الفردية، وهنالك من يظن أن العنف الاسري ازداد الآن وليس في السابق وهذا الرأي لا يستند الى اية حقائق علمية فمن الممكن أن تكون حالات العنف الاسري قبل 30 عاما كانت اكثر من الان، ولكننا لم نلمس ذلك ولم نشعر به بسبب عدم وجود قانون خاص وأن الناس كانوا غير واعين مثل الان لتسجيل شكواهم انذاك، ولم تكن هنالك دائرة متخصصة بالعنف الاسري مثل الان والحرية الفردية للمرأة كانت قليلة قياسا بالوقت الحالي، الان الوضع مختلف تماما تطور المجتمع وهنالك اعلام ومواقع تواصل اجتماعي تسجل كل الاحداث والقانون كان له تأثير كبير جدا لزيادة الوعي بالمجتمع وبشكل عام فإن الارقام التي تسجل بقضايا العنف الاسري متباينة من سنة الى اخرى”.
طاهر: العنف ضد المرأة بالذات يتنامى عاماً بعد آخر
وتابع أن “أسباب العنف ضد المرأة بالذات كثيرة ولكن لا يمكن أن نقول إن المرأة ضعيفة وهذا ما يجعلها عرضة للعنف، المرأة مع الرجل جنبا الى جنب تعمل بالمجتمع وتتفوق عليه في كثير من الأحيان، الحقيقة أن المجتمع تحكمه تقاليد وعندما تحاول المرأة مثلاً الخروج عنها تحدث حالات عنف بسبب الرفض، بالاضافة الى أن مجتمعنا لحد الان ذكوري وهذا يؤدي الى توجيه العنف ضد المراة بالاضافة الى أن المرأة ترغب بالحصول على حرية كاملة كما هو موجود بمجتمعات اخرى ولكن طريقة حصولها عليها بمجتمعنا ربما ينقصها الوعي ببعض الأحيان”.
وعن أسباب زيادة حالات العنف الأسري في السنتين الأخيرتين أكد طاهر بالقول، “عملنا استبياناً حول اسباب ارتفاع الحالات على موقعنا وأشارت النتائج إلى أن 21% من النساء هن عرضة للعنف على أثر دخول جائحة كورونا التي أجبرت كثيراً من العوائل على البقاء بمنازلها الأمر الذي أحدث احتكاكاً فيما بينها”.
ولفت إلى أن “الأسباب الثانوية كثيرة وذكرناها أعلاه أما الأسباب الرئيسة والمباشرة فنعتقد أنها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أدت لزيادة العنف الاسري وايضا للوضع البيئي وحالة الطقس وخاصة في فصل الصيف حضور واضح بالاخص عند اشتداد الحر وانقطاع التيار الكهربائي”.
قانونيون: أسباب سياسية أثرت أمنياً واجتماعياً
قانونيون طرحوا رؤيتهم عن ظاهرة العنف الأسري المتنامية في الإقليم وحددوا أسباباً عدة بينها ما هو سياسي أثر امنياً ومهد لتزايد معدل الجرائم أيضاً.
وتقول المحامية المتخصصة بهذا الملف والناشطة الحقوقية وهيبة رزرار لوكالة(الاولى نيوز) إن “تحديد الأسباب لازدياد حالات هذه الظاهرة يتطلب إجراء دراسات عميقة لا تقتصر على ما هو ظاهر بل تبحث عن جذور المشكلة”.
وتضيف في حديثها، “باعتقادي أن الاسباب في السنوات الأخيرة مرتبطة بتأثير جائحة كورونا وتبعاتها من اجراءات احترازية أثرت على مجتمعنا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وزادت الضغط على الافراد داخل العائلة بالاضافة الى الوضع الاقتصادي العام والركود بعد عام 2014 وهجوم عصابات داعش الإرهابية إذ إن العراق باكمله لم ينهض بعد من تبعات تلك الاحداث”.
وتابعت، “وكذلك هنالك تأثيرات للمشاكل السياسية بين الفرقاء في الإقليم والتي لم تحل وترمي بظلالها بشكل سلبي على النواحي الامنية وتسبب انفلاتا يؤدي الى ازدياد حالات الجريمة بشكل عام والعنف الاسري بشكل خاص في مجتمعنا، وازدياد الحالات المسجلة يعود أيضاً للوعي المجتمعي وثقة الناس بالأجهزة المتخصصة كونها الوحيدة القادرة على اعادة الحق لاصحابه وفق القانون”.
وحول سبل المعالجة تقول زرار: “بصفتنا ناشطين حقوقيين منضوين في منظمات مجتمع مدني قدمنا العديد من المقترحات بنيت على بحوث ودراسات لكن لم نلق أية استجابة من الجهات المعنية وشددنا على وجوب توفير حماية حقيقية لضحايا العنف الأسري لمنع تكرار العنف ضدهم ونعتقد أن هذا واجب حكومة الإقليم والجهات الأمنية وما تقوم به المنظمات مسؤولية محدودة لكن بالمقابل كان لها دور كبير في إصدار التشريعات الخاصة بالحد من العنف الأسري”.
باحثون: وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي سبب إضافي وخطير
بدورها، تقول الباحثة بهار رفيق رئيسة قسم الباحثين النفسيين في سجن الاحداث والنساء في أربيل للوكالة الرسمية تابعته(الاولى نيوز)، “بحكم عملي في سجن الاحداث والنساء استطيع أن أقول إن حالات العنف الاسري ازدادت خلال السنوات الماضية وطبعا لها اسبابها منها الحرب ضد داعش وما تركته من ويلات ومشاكل مجتمعية والضغوط الاقتصادية خاصة بعد تراجع اسعار النفط وما سببته من تأخر بصرف الرواتب وايضاً جائحة كورونا”.
وأضافت أن “هنالك دورا سلبيا لمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة، فمثلا عندما تحدث حالة انتحار في احدى القرى نلاحظ أن مئات المواقع والمحطات التلفزيونية تقوم بالنشر والترويج للخبر وبكافة التفاصيل ما يشجع على تكرار هكذا حالات، وأيضاً هنالك ايضا بمجتمعنا ظاهرة حوادث الاعتداء الجنسي زنى المحارم ونسجل العديد من الحالات والأمر يحتاج لتوعية دينية ومجتمعية أكبر”.
وتابعت أن “أغلب الحالات الموجودة لدينا بالسجن أسباب العنف فيها اقتصادية وهي تؤثر على استقرار العائلة وأيضاً ثمة أسباب أخرى مثل زواج القاصرات وزواج الصلح بين العوائل والعشائر وهي تجعل المرأة لقمة سائغة لا تحظى بالتقدير وتتعرض للعنف وهناك حالات عنف أسري تبقى حبيسة جدران البيوت لأنها تؤثر على سمعة العائلة لذلك لا يتحدث عنها أحد”.
دور منظمات المجتمع المدني
وعن موقف منظمات المجتمع المدني ودورها في التوعية والمتابعة تقول بهار علي رئيسة منظمة (ئيمة – نحن) المهتمة بشؤون المرأة “لمنظمات المجتمع المدني دور كبير لتوعية المجتمع بمخاطر العنف ضد المرأة، والمنظمات لها الحرية المطلقة في كشف الحالات التي تتعرض لها المرأة من عنف واعتداء ونبحثها ونعلنها دوما في الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي، بالاضافة الى علاقاتنا وعملنا المستمر مع مؤسسات الحكومة من صحة وتربية وعن طريق هذه المؤسسات نأخذ المعلومات ونقوم باعلانها عن طريق تقاريرنا الدورية”.
وأضافت، “نعمل كذلك على توعية المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص ونثقفها في كيفية الدفاع عن نفسها وحقوقها وفق القانون وتوعية الرجال بمخاطر العنف على المجتمع والاسرة، ونقوم ايضا بتدريب المؤسسات والوزارات التي تعمل على هذه المواضيع الخاصة بالعنف الاسري، وكيف يتعاملون مع النساء اللاتي يلجأن الى مراكز الشرطة لتسجيل شكواهن”.
وحول الأسباب المؤشرة لدى المنظمة تقول علي، إن “أهم أسباب العنف الاسري هي العقلية الذكورية بمجتمعنا إذ يعتقد الرجل أن من حقه ممارسة العنف ضد المرأة سواء كانت زوجته او اخته او ابنته بسبب اي تصرف او عمل هو غير موافق عليه او لا يرغب به”.