العلاقات العراقية الأميركية منعطف آخر
محمد حسن الساعدي
أخذت العلاقة بين بغداد وواشنطن منحى آخر غير الذي رسمته الوثيقة الستراتيجية التي وقعها الطرفان بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق، فبعد عام من الاستقرار بدأت العلاقات الاميركية العراقية تتخذ منعطفاً نحو الاسوأ في الشهريين الماضيين، خصوصاً بعد التصعيد غير المسبوق الذي القى بظلاله على المشهد السياسي العراقي بتأثير “طوفان الاقصى” وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة وحشية على ايدي الماكينة الصهيونية. الحكومة العراقية حرصت أشد الحرص على أن تكون من أشد المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة الدولية،وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية والتي تمثل الشريك الرئيس للعراق،حيث استطاع العراق أن يكون لاعباً اقليميا بناء وعامل استقرار، ونجح الى حد كبير في التوسط لإنهاء صراعات وخلافات معقدة في المنطقة، مثل الخلاف بين طهران والرياض والذي استمر لعقود مضت، وتقريب وجاه النظر بين دمشق والرياض وإعادتها الى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت لسنوات، ما جعل العراق يكتسب علاقات متميزة مع المجتمع الدولي عموماً. العلاقات الاميركية العراقية اقتربت كثيراً من خارطة العلاقة في زمن ترمب 2020 ، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواءً من الجانب الاميركي او أي طرف آخر، وان العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة، وعلى الرغم من التصريحات القوية من العراق إلا أن رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة الى واشنطن أثناء حديثه الى الصحافة من خلال الاشارة الى أن إنهاء الوجود الاميركي سيعني بداية لعلاقة جديدة بينهما وانها ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين في مختلف المجالات وتفعيل “الاتفاقية الستراتيجية” بين البلدين والانتقال الى العلاقات الثنائية بين الجانبين. في ظل الوضع الراهن والتأثير الكبير سوف تحتاج الحكومة العراقية إلى عمل مضن لإرضاء الجميع وخروجها منتصرة، ولايزال امام الحكومة العراقية ان تعمل بمصداقية ووضع مصالح العراق في المقام الأول وحماية البلاد من المنافسات العابرة ويجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات والتي من شأنها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب والتراجع، من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أي جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية، كما ينبغي على الحكومة العراقية ان تنخرط في حوار شامل، يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية، بينما أي نهج آخر سيكون محفوفا بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة. بالمقابل يجب على الولايات المتحدة الاميركية ان تكون صبورة من الناحية الستراتيجية وأن لا تقوض خطوات الدولة العراقية أو حكومتها أكثر من ذلك، وبخلاف ذلك، فإنهم يخاطرون بتصعيد الوضع حتى خارج نطاق سيطرتهم، وأن تمنح الحكومة العراقية المساحة اللازمة، لان ممارسة الضغط على الحكومة التي يقودها التشنج أكثر واتخاذ مواقف عدائية اكثر ضد المجتمع الدولي وهذا بحد ذاته يفقد العراق دعماً دولياً مهماً، لذلك من الضروري أن تكون هناك ديناميكية شفافة في التعاطي بين الجانبين والاهم من ذلك كله ان يكون على أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين وحفظ سيادة العراق أرضا وجواً وبحراً.