العراق والإعلام المهني
العراق والإعلام المهني – علي الشكري
قبل أيام خلت اعتلت الى بارئها الأعلى ارواح طاهرة اثناء احياء قداس في كنيسة أبي سيفين ، وحرصت عدة فضائيات عربية ، من بينها عراقية على تغطية الحدث لحظة بلحظة ، لهول الكارثة ، وعظم النكبة ، ويقيناً لأهمية الخبر ، وبالقطع أن نقل مثل هذه الأحداث مباشرة دليل مهنية القناة وحرص القائمين عليها على مواكب المستجد لاسيما أنه تعلق بالروح ، وابرياء قضو اثناء العبادة في بيت من بيوتها .لكن ما لفتني في تغطية الحدث أن الحكومة المصرية حظرت وصول كاميرات ومراسلي الفضائيات المحلية والأجنبية الى موقع الحدث ، وكل ما وصل اثناء التغطية صور كامرة نقال احد الحاضرين في مسرح الحدث ، ولم يجرأ مراسل أو محلل أو فضائية على الهمس أو التساؤل ولو سراً عن الأسباب وراء حظر التغطية ، وبالتأكيد أن هذا الإبعاد الإعلامي لم يكن من تفردات الحكومة المصرية ، بل هو مشاهد متداول مقبول في اكثر الدول ديمقراطية عربية واجنبية ، لكن ما هو غير مألوف ما يحدث في العراق ، فالفضائيات العراقية والعربية والأجنبية تدخل مسرح الحدث ، وتنقل بتحريف وتحريض ودس وتضخيم الخبر ، وما أن يُصحح المعني الخبر ويصوب الحدث ولا يمنع المراسل من التغطية الا وتُفتح عليه نيران ادعاءات تقييد الحرية وتكميم الأفواه وتحريف الأحداث ، فلا يترك رئيس جمهورية الا ويُسب ، ولا ينجو رئيس حكومة من الاتهام ، ولا ينأى القضاء بنفسه عن كيل التهم بالتقييد ، فالدولة مباحة والنظام مستهدف ، والإعلام يصول ويجول ويتهم ويُحرف وينقل ما يشاء دون حساب .وربما كان المائز الأكبر بين حادثة أبي سيفين وأبي حزامين (العراق )، أن همّ مقدم النشرة الإخبارية في حادثة أبي سيفين ، ومراسل الميدان ومحلل الحدث ، في كل الفضائيات التي غطت الكارثة بما فيها العراقية ، دفع التهمة عن الحكومة المصرية ، وتلميع صورة الدولة ، وإظهار الشعب موحداً بأديانه وطوائفه وانحداراته، ويقيناً أن الصورة معكوسة في بلد أبي حزامين ، الدولة فاشلة ، الرئاسة غائبة ، الحكومة مقصرة ، الإهمال واضح ، القصد متوفر ، الحادث مقصود ، التورية واضحة .واللافت أن مقدم النشرة في إحدى الفضائيات غير المصرية ، أعلن وهو في قمة تفاعله مع الحدث ، وقبل أن تعلن الحكومة المصرية سبب الحريق الذي انتهى الى النكبة ، أن الحريق ناشء عن تماس كهربائي وخلل في منظومة تبريد الكنسية ، وأردف قائلاً أن ذلك سبب الحريق ولحين الكشف عن سببه ، وكأنه مكلف بالدفاع عن الحكومة ، ودفع التهمة ، وتبرير الحدث ، ويقيناً أن ذلك ليس من عندياته ولكن سياسة فضائية ، وتوجه دولة ، وتوجيه مسؤول ، في حين أن حريق المستشفيات في العراق يقيناً مفتعل ، والتهام النيران لأسواق المواد الغذائية يقف وراءه كتل سياسية ، ووفاة مسؤول بحادث سير بالقطع هو اغتيال مبطن ، والفضائيات تنقل وتتداول وتُصعّد وتستضيف النواصب والباغضين والمغرضين من أبناء الوطن ، والدولة ومسؤوليها والقائمين على شأن الإعلام في واد آخر مغيبين وكأن الحدث وتحريفه في بلد أجنبي .واستُنفر الإعلام العربي والعراقي الذي غطى الحدث ، نبأ راح يردده كل لحظة ، حيث أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية أنها ستقدم المساعدات اللازمة لأسر المتوفين والمصابين ، ويقيناً أن مثل هذا الإعلان يستحق الاستنفار الإعلامي والترديد في الأخبار العاجلة ، عجيب أمرك الإعلام الموجه مع أو ضد ، والسؤال المطروح لو خرج مثل هذا الإعلان في العراق بعد حادث جلل وما أكثرها في بلادي ، هل سيجد مثل هذا التغطية والاهتمام ؟ أم أنه سيكون مادة للتندر وذريعة لمهاجمة الحكومة ؟ .على متخذ القرار في بلادي أن يكون أكثر حزماً في الدفاع عن سمعة الوطن وكرامة المواطن ومهنية الإعلام ، فيحرص على الموازنة بين حريته والحرص على نقل الحدث بعيداً عن التقييد وتكميم الافواه ، وبين المحافظة على مكانة الوطن بعيداً عن الاستهداف والتوجيه بقصد الإسقاط والنيل والتشفي ، فقد اضحى العراق وأحداثه مادة للإعلام المغرض ، ووسيلة لتصفية الحسابات السياسية ، واداة للضغط لتبني موقف معين أو العدول عنه ، فالعراق ليــــــــس بلد هامشي منسي ، ولا وطن يعتاش على حافات قرارات البلدان ، ولا ألعوبة بيد المستهدف المغرض ، وعلى ظلالة من ظن أن العراق أضحى ساحة للعب الآخرين ، فالعراق أصله ثابت وفروعه يشهد بها التاريخ ، وعلى من ظن به الظنون اللعب بعيد عنه ، فالتاريخ يسجل والذاكرة تحفظ ، والعراق يمرض لكنه لا يموت ، وغيره زائل وهو باق .