العراق من فساد النظام إلى نظام الفساد
العراق من فساد النظام إلى نظام الفساد – منقذ داغر
كمختص في الرأي العام العراقي،كنت شاهدا على تدرج الفساد في العراق حين انتقل من فساد متجزر(هنا وهناك),الى فساد متجذر(منتشر افقيا وعموديا)، ثم الوصول الى المرحلة الحالية التي تحول فيها الفساد من كونه علة في النظام ليصبح النظام نفسه. نحن في مرحلة ابتلع فيها الفساد كل النظام السياسي والاقتصادي بحيث صارت الدولة هي احد مفاصل الفساد ومدخلاته بعد ان كان الفساد هو احد مدخلات الدولة ومحركاتها. وبعد ان كان اقل من 50 بالمئة من العراقيين قبل 15 سنة يعتقدون ان الفساد منتشر،صار 95 بالمئة من العراقيين يؤمنون بذلك في عام 2020. كما ان هناك حوالي ثلثي العراقيين ممن يعتقدون ان معاملاتهم الحكومية لا يمكن انجازها دون رشوة او وساطة. وما يقلق في هذه الارقام وسواها مما تعلن عنه المنظمات المحلية والدولية المهتمة بالفساد هو انتقال الفساد (الاداري والمالي) سواء في الماكنة البيروقراطية أو السياسية أو الاقتصادية في العراق الى طور جديد يتسم بكون ثقافة الفساد باتت مقبولة بعد ان كان جُزُرا معزولة، او التسليم بأنه لا يمكن الخلاص من الفساد وبالتالي يفضل التعايش معه! ان هذا مايحصل الان-للاسف-في ردود الافعال الشعبية والرسمية والنخبوية التي رصدتها تجاه قرار المفوضية العليا للانتخابات التي أصدرت قرارا بالغاء انتخابات عراقيي الخارج.ومع ان هذا القرار في اساسه يخالف قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020 فضلا عن مخالفته لاربع مواد في الدستور العراقي، الا ان كثير من ردود الافعال الشعبية والنخبوية وحتى الرسمية كانت ايجابية تجاه القرار وأخذت بالتبرير له كونه يمنع الفساد المستشري في انتخابات الخارج والذي غالبا ما يؤدي الى انتخاب نواب للبرلمان دون استحقاق فعلي. طبعا ساقت مفوضية الانتخابات عدد آخر من الاسباب لتبرير قرارها لكن ما يهم هنا هو ردود الفعل الشعبية التبريرية استنادا الى تجارب فساد انتخابات عراقيي الخارج السابقة. أن التسليم الشعبي والرسمي بعدم القدرة على ضبط الفساد يعني القبول به كواقع لا يمكن القضاء عليه ولذلك يتم الغاء كل عملية انتخابات الخارج بدلا من بذل الجهود لاصلاحها. هنا نكون قد تحولنا من مرحلة فساد النظام الى نظام الفساد حيث الجميع قانع بالعجز عن مكافحة الفساد الذي تحول الى نظام تخاف الناس والسلطات تحديه، وبالتالي فعلينا التعايش معه! انه تماما مثل النوم مع الوحش في نفس الغرفة،ظانين انه يمكن للوحش ان لايلتهمنا مادمنا حققنا له مايريد.ان من يؤمنون بسياسة(اليد التي لا تستطيع ان تلويها فأن تقبيلها افضل)عليهم ان يدركوا ان الفساد مثل جهنم،كلما القي فيها الناس قالت هل من مزيد. لذا فان القبول بالتنازل عن حق دستوري وعُرف ثابت قائم على مساواة كل افراد الشعب،وأينما كانوا بالحقوق والواجبات، فقط لان مفوضية الانتخابات غير قادرة على تأمين شروط النزاهة سيؤدي في المستقبل الى التنازل عن حقوق اخرى،وربما تكون أكبر، بحجة عدم قدرة الدولة والنظام على تأمينها ! وكم أخشى ان يتحول العراقيون بسبب استسلامهم للفساد وقبولهم بثقافته، الى ذلك الجسد المسجى الذي اجاد المتنبي في وصفه قائلا:من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ ايلام .