العراق مقبل على كارثة بيئية.. مدن بلا أحزمة خضراء والزراعة تنتظر التمويل
رغم ان اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد أو من التصحر، تتضمن التأكيد على العمل لتخفيف آثار الجفاف من خلال برامج وستراتيجيات طويلة الأجل، وهي الاتفاقية الوحيدة التي تم استخلاصها من توصية مباشرة لمؤتمر جدول الأعمال الـ21، والتي اعتمدت في باريس يوم 17 حزيران 1994 ودخلت حيز التنفيذ في كانون الأول 1996، إلا أن المراقبين للوضع في العراق يرون أن البلاد وطيلة هذه السنوات عقب الاتفاقية لم تتمكن من وضع برامج ورؤية وستراتيجية واضحة لمكافحة التصحر.
هذه الاتفاقية تعد الأولى والوحيدة التي تحمل طابعاً دولياً، وملزماً قانوناً لوضع لمعالجة مشكلة التصحر، غير أن مستويات التصحر والجفاف في العراق آخذة في الارتفاع يوماً بعد يوم، ويعزو المتخصصون ذلك إلى عوامل عديدة، منها تتعلق بالمناخ وأخرى تتعلق بسوء التخطيط لمواجهة هذه المشكلة، التي تعود بآثار سلبية على الوضع الاقتصادي في العراق، ولاسيما الزراعي، فضلاً عن الوضع البيئي.
ازدياد العواصف الترابية
مؤخراً شهدت عدد من المدن العراقية تنامياً في مستويات العواصف الترابية، وبالتالي أثر ذلك على الوضع البيئي، فضلاً عن تسببه بمشاكل صحية لسكان هذه المدن، ولاسيما أولئك الذين يعانون من مشاكل في التنفس والنظر، إضافة إلى شكاوى الفلاحين والمزارعين من تأثيرات سلبية لهذه العواصف على محاصيلهم.
ويتبادر إلى الذهن سؤال مفاده ما الذي قامت به الحكومات العراقية منذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في تسعينيات القرن الماضي ولحد الآن، وأين مشاريع الأحزمة الخضراء في أطراف هذه المدن، والتي لو كانت موجودة لحدت بشكل كبير من تأثير هذه العواصف.
الزراعة: الأحزمة الخضراء بحاجة لمبالغ طائلة
وزارة الزراعة العراقية ترى أن مشكلة التصحر في العراق تقف خلفه أسباب عديدة، مشيرة إلى عدم امكانية حساب تكلفة الأحزمة الخضراء في الوقت الحالي، لعدة اعتبارات.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف في تصريح اعلامي اليوم الأحد (23 أيار 2021)، إنه “لا يمكن في الوقت الحالي معرفة كلفة إنشاء الأحزمة الخضراء حول المدن العراقية، وهي بالتأكيد بحاجة إلى مبالغ طائلة”، لافتاً إلى أن “التصحر ناتج عن قلة المياه وانحسار الأمطار والانحباس الحراري”.
حميد النايف، أكد أن “الكثير من المساحات الزراعية في البلاد باتت غير خضراء، وبالتالي فإن مرور العواصف والأتربة إلى المدن بات سهلاً”.
أما بشأن أعداد الواحات في المناطق النائية من المدن، أوضح المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية بأن “عددها كان نحو 45 واحة، وتدر موارد اقتصادية وتوفر فرص عمل كثيرة، غير أن فترة احتلال تنظيم داعش للعديد من المناطق أسهم بتدمير هذه الواحات”، مستدركاً أن “عددها الآن يقدر بنحو 20 واحة فقط، وقد ساهمت منظمات بدعم إنشاء هذه الواحات”.
“مواجهة التصحر عبر زراعة الأحزمة الخضراء، بحاجة إلى مبالغ طائلة وبرنامج وطني ووضع ستراتيجية واضحة، في حين أن المبالغ المخصصة حالياً لوزارة الزراعة لا تكفي لهذا الغرض، لكن الوزارة تحاول مع بعض الجهات المعنية التقليل من آثار التصحر، عبر منح شتلات الأشجار مجاناً لعدد من الدوائر والجهات لغرض زراعتها”، وفقاً للنايف.
وبخصوص الوضع في العاصمة العراقية بغداد، شدد النايف على أن “الوضع في بغداد الآن بات غير ملائم للسكن، خصوصاً وأنها تضم حالياً نحو 8 ملايين نسمة، ولاسيما في جانب الرصافة الذي تنحسر فيه المناطق الخضراء يوماً بعد يوم”، لافتاً إلى “انحسار المناطق الخضراء حول العاصمة، رغم أن الوزارة تحاول وتتحرك من أجل توسيع هذه المساحات الخضراء”.
غرب ووسط وجنوب العراق تأثر بالتصحر
وبشأن أكثر المحافظات تأثراً بالتصحر، ذكر المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية أن “المحافظات الغربية تتأثر بالتصحر والعواصف الرملية والترابية، على اعتبار انها مواجهة للمناطق الصحراوية، كما أن محافظات وسط وجنوب البلاد تأثرت بذلك، نتيجة قلة الايرادات المائية من تركيا وايران، وبالتالي ضعف الإرواء في تلك المناطق”.
ووجد تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي أن مستويات المياه في نهري دجلة والفرات تتناقص “بمعدل غير مسبوق”، مما قد يؤدي إلى تهجير قسري لمجتمعات بأكملها.
غياب التخطيط والستراتيجية
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي أحمد الحسيني أنه “كان من المفترض بالحكومة العراقية قبل خمس سنوات وضع ستراتيجية لمكافحة التصحر، بالتنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية”.
الحسيني قال في تصريح اليوم الأحد (23 أيار 2021)، إن “هنالك جانبين يؤثران على التصحر في العراق، الأول مرتبط بالمناخ من حيث قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وهذا الشيء خارج ارادة البشر، بينما الجانب الثاني يتعلق بالتقصير من ناحية التخطيط والبنية التحتية والتشجير، فضلاً عن تحويل جنس الأراضي الزراعية”، منوهاً إلى أن “تلك الاسباب خطيرة وأسهمت في تعميق مشكلة التصحر في العراق، وارتفاع منسبة العواصف الرملية والغبار في البلاد”.
“العراق يغرد خارج مؤتمر باريس”
“مؤتمر باريس أشار إلى ضرورة معالجة الاحتباس الحراري ومعالجة مشكلة التصحر”، وفقاً للخبير الاقتصادي، الذي تساءل: “هل أن العراق خارج السرب وأين هو من مقررات مؤتمر باريس؟”.
الحسيني دعا إلى “الضغط على مجلس النواب والحكومة العراقية من أجل سن قوانين لمكافحة التصحر”، مردفاً أن “الوقت لا يسعف الحكومة الحالية لاتخاذ إجراءات بهذا الصدد، بينما على الحكومات المقبلة العمل على هذا الشيء”.
أما بشأن التأثيرات الاقتصادية السلبية الناتجة عن التصحر والعواصف الرملية، ذكر الحسيني أن “هذه التأثيرات واضحة على الاقتصاد العراقي ولاسيما الزراعي، حيث تأثرت مساحات كبيرة بانخفاض مناسيب الأنهر، خصوصاً في ظل المشاكل المائية القائمة مع ايران وتركيا”.
يشار إلى أن وزير الموارد المائية العراقية، مهدي رشيد الحمداني، أعلن مؤخراً أن ندرة هطول الأمطار أدت إلى انخفاض تدفق النهرين الرئيسيين في العراق إلى 50 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، مشيراً خلال مؤتمر صحفي إلى أن تحويل إيران لروافد نهر دجلة أدى أيضاً إلى تراجع التدفق إلى سد دربندخان في البلاد إلى 0 بالمائة.
يتدفق نهر دجلة جنوباً عبر العراق من مصادر في إيران وجنوب تركيا، بينما ينبع نهر الفرات من شرق تركيا ويتدفق عبر سوريا والعراق لينضم إلى نهر دجلة في شط العرب.
يذكر أن العراق يخوض نزاعات مع جارتيه إيران وتركيا، من أجل الوصول إلى تدفق بشكل متزايد للمياه إلى الهلال الخصيب الذي كان مزدهراً في السابق.
المصدر: رووادو