العراق ما بعد الانتخابات!!
محمد حسن الساعدي
يقال في الامثال “من أمن العقاب أساء التصرف”ويقال عندما يسيء الفرد التصرف ويأمن العقاب والملاحقة القانونية،لذلك نجد أن من يسيء الى المجتمع بتصرف او بفعل ولم يحاسبه فقط أمن العقاب.تناولت وسائل الاعلام أخبار وتقارير أن الانتخابات القادمة ستحدد طبيعة النظام السياسي القادم،حيث تستعد الكتل السياسية لخوض الانتخابات في العاشر من تشرين الاول القادم،وسط ادعاءات هذه الكتل بانها ستحصل على مراتب متقدمة، وحصادها اغلب أصوات الناخبين،فقد صرح عدد من نواب كتلة سائرون أنهم سيحصلون على ١٠٠ مقعد في البرلمان القادم، وأنهم بذلك يكونوا مؤهلين لتسنم منصب رئاسة الوزراء ، وسط الاتهامات المتبادلة بين الكتل نفسها بملفات فساد كبيرة وخطيرة،التي طالت أغلب قيادات التيار ،وآخرها ملف الكهرباء والتهم التي وجهت الى وزير الكهرباء كونه احد وزراء كتلة سائرون ، وكيف تم أستغلال هذه الوزارة في أختلاس الملايين من الدولارات بصفقات أغلبها وهمي،في حين أن الوزارة يقودها من الكواليس عباس الكوفي المقرب من مقتدى الصدر، فيما صرح وزير الكهرباء المستقيل أن المدعو الكوفي هو الوزير الفعلي، ولديه صلاحيات مركزية في نقل وتدوير المدراء العامون بين دوائر الوزارة،ناهيك عن العقود التي لم ترى الكهرباء أي شيء منها، بل هي عبارة عن عقود وهمية يذهب ريعها الى جيوب الفاسدين .آفة الفساد ليست بالأمر الجديد ، ولا مفهوم الفساد غريب على قاموس المفاهيم ، لان آفة الفساد حلت على النظام العام وأفسدته ، ووضعت العاملين والنَّاس في دوامة من الصعوبة التعامل معه ، فهناك عدة أوجه للفساد فهناك من هو متورط في الفساد ولا يمكنه الخروج من دائرة الفساد وذلك كونه جزء من شبكة كبيرة ولايمكنه الخروج منها ، ومن جهه اخرى لا يسمح لأي احد الخروج من هذه الشبكة وبعكسه سيعاقب الفاسد ، وهناك من هو مطوق بمنظومة من الفاسدين ، فإما الانخراط بنشاطها او التنحي وغض الطرف عن افعالها ، وهو بحد ذاته مشاركة بالفساد ، بل وأعانة على الفساد ونشره ، كما ان الفساد له انواع متعددة فالسياسي غاياته الشخصية غلبت مشاعرة الوطنية اتجاه بلده ، ووضع مطامعة الذاتية بدل حرصه على تنفيذ مطالب ناخبيه وشعبه لان الفساد معضلة يصعب توصيفها ، وفيها الشخصنة تلعب دوراً في نشرها وإيجاد حد لها ، كما ان للمجتمع دوراً كبيراً ومهماً في الوقوف بوجه الفاسدين ، لان المشكلة الحقيقية تكمن في تغلغل الفساد والفاسدين في كل مرافق الدولة العراقية ، بل يمكن القول ان مجمل الوضع السياسي والاداري اصبح مختوماً بختم الفساد .الأنظار تتجه نحو خطوات السيد الكاظمي ومعركته المصيرية ضد الفاسدين وذلك لان الفساد هو المرض والخطر الذي يمثل فكراً منحرفاً وينبغي الوقوف ضده والقضاء عليه ، كما ان معركة الفساد اخطر من معركة الاٍرهاب ، وذلك لان الفاسدين منتشرين بين صفوف المجتمع ويملكون المال والإعلام ويعملون على تشويه الحقائق وتصوير ان الجميع فاسد في خطوة للتغطية على فسادهم ، كما ان الفساد الموجود في المؤسسات العراقية يحضى برعاية رؤوس كبيرة في الدولة العراقية وأمسى العراق يحتل مرتبة متقدمة بين الدول الأكثر فساداً في تقارير منظمة الشفافية الدولية ، لهذا ليس من السهولة اعلان الحرب على الفاسدين بل تعد اصعب من الحرب ضد داعش كوّن شبكة الفاسدين محصنة سياسياً وأمنياً .الحكومات المتعاقبة عكست حالة الفشل التي سادت مفاصلها ، كما انها تعد تجربة فاشلة بكل المقاييس ، من وكلاء او مدراء عاميين او مستشارين ، او هيئات تدار بالوكالة ، وغيرها من مفاصل لاتملك اي مهارة او كفاءة او مهنية ، وعندما نقرأ الخطاب الاعلامي تكشف مدى العجز والالتباس الذي اصاب ويصيب العقلية السياسية العراقية ، كما يكشف عدم ادراك الجمهور في قراءة هذه العقلية السياسية ، وتقييم تجربتها السياسية ، ذات الخطاب الطائفي مما عكس حالة الفشل لديها ، كما أن الطبقية التي كانت سائدة ابان حكم صدام ساهمت في تغذية هذا الفشل كونها تعودت على المكاسب التي استحوذت عليها آنذاك ، مما أدى الى دخول البلاد في آتون الحرب الاهلية وسيادة لغة القتل الطائفي وعزل المكونات الاجتماعية ، وهذا ما حدث في ظل حكومة الاحزاب الاسلامية سواءً السنية او الشيعية على حد سواء ، ناهيك عن سقوط ثلث البلاد بيد داعش والذي كان في ظل ورعاية الاحزاب السنية والشيعية .أن فشل السياسيين ليش بالشئ الجديد ، ولكن الجديد في الامر هو أصل الفشل ، فالاحزاب الاسلامية لم تبحث أصل فشلها ، واستمرت في فشلها وعدم قدرتها على التعاطي الايجابي مع الواقع المؤلم للبلاد ، كما هو فشل في الفكر السياسي لهذه الاحزاب ، وأقتناعها في التحول من مفهوم المعارضة الى مفهوم الحكم والسلطة ، وما يرافقه من قدرة على الاهتمام وتسيير أمور البلاد والعباد ووفق رؤية مستقبلية عميقة ، كما لا يمكن باي حال من الاحوال عد حكم الإسلاميين بعد سقوط النظام العلماني ، حكماً يمثل التجربة الاسلامية ، لانها ببساطة لا تحمل أهدافا واضحة في بناء الدولة ، وفق منظور الامام علي (ع) ، بل كانت هوامش حكومات كانت تسعى الى السلطة وتعويض ما فاتها من سنوات المعارضة ، وفق نظرية “الغاية تبرر الوسيلة ” ، والتي كانت أهدافاً وغايات فاشلة بكل المقاييس والقوانين الوضعية ، فلم تحمل بطن أجنداتها اي ورقة لهموم شعب او اوجاع وطن عاش بين مطرقة الظلم ، وسندان الفشل التجربة في الحكم .