العراق..في نهاية النفق، ولكن ؟
د. فاتح عبدالسلام
إنَّها ليست الساعات الحاسمة التي سيولد عراق جديد فيها، كما يحاولون تصوير ذلك، ستنتهي الانتخابات كما انتهت سابقاتها وسيعتلي المناصب أشخاص كما اعتلوا سابقوهم، من دون ان يكون هناك عراق جديد، حتى لو افترضنا انّ البرلمان المقبل سيضم كلَّ الوجوه الجديدة من دون تكرار اسم واحد، وهذا مستحيل طبعاً، ولكن لو افترضنا ذلك، فأنَّ الأسماء الجديدة تابعة لنفس الكتل والأحزاب الكبيرة، فهل يمكن أن يولد عراق جديد من هذه النتيجة المتوقعة أو غير المتوقعة؟ سمعنا كثيراً من أفواه رؤساء دول وزعامات عالمية عن عراق جديد ستنتج عنه الحرب التي شنّها ملك الحروب العبثية جورج دبليو بوش، تخيّلوا كيف العقل المتحضر اقتنع ووثق بكلام عن حرب تنتج حياة جديدة، ولكن كان هناك مَن صدّق ذلك؟ جرت الحرب وأعقبها احتلال، والعراقيون ينتظرون ولادة البلد الجديد، وجاءت حكومات حملت الشعارات التي يعلسها الاعلام الدولي في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة والحياة الكريمة، ومضت السنوات ودخلنا في حروب داخلية متعددة، الواحدة اتعس من الأخرى، ولم نجد تلك الحياة الجديدة الموعودين بها، فمتى يصدق ذلك الوعد، وقد ذهب بوش الى مزبلة التاريخ بعد أن فضحه الرئيس الأمريكي بايدن بانقاذ أمريكا من مهاوي حرب أفغانستان المشينة، وكذلك الحال مشابه في العراق بدرجات مختلفة؟ لا حرب ولا وعود ولا انقلابات ولا احتلالات ولا تبعية ظاهرة أو باطنة يمكنها أن تصنع العراق الجديد، ولعل الجيل الحالي بعد جبال الخراب المكدسة، ليس له أمل في ان يرى النور في نهاية النفق، إلا اذا كان العراقي عراقياً خالصاً، لا غربيا ولا شرقيا، يبني بلده ولا يبالي بالتهديدات أو الاغراءات، وينفتح على كل مَن يحمل الهوية العراقية بوصفه مواطنا متساويا معه، من دون حذر أو خوف أو فوقية أو عُقد تاريخية ظلماء. هذا الامر يحتاج الى قرارات شجاعة، وبإمكان العراقيين اتخاذها، فليس هناك أشجع من العراقيين الذين قدموا قوافل الشهداء على مدى ثماني عشرة سنة، كان اخرها ستمائة شهيد من أصوات الحرية في انتفاضة تشرين التي يحاولون حتى اللحظة البيع والشراء باسمها. هل نستطيع أن نتلمس الان الطريق الى ولادة عراق جديد؟ وهل سيكون في حوزة البلد سياسيون بمعنى خدّام التراب الوطني وثروة الأجيال، يمكننا أن نضع الثقة لمستقبل أولادنا في أيديهم من دون ان يكونوا قد باعوا البلد مُقدّماً ؟