العراق .. بلد الإفلات من العقاب
علي ضياء الدين
يستحق العراق هذا الوصف فعلاً. فمنذ تسعة عشر عاماً وهذا البلد قد تحول الى مملكة مزدهرة للصوص وتجار المخدرات والجماعات المسلحة والمهربين والمرتشين والقتلة المأجورين والمزورين وكل منهم يسرح ويمرح على هواه وليس بإمكان أحد من عباد الله المقهورين أن يحتج. تسعة عشر عاماً وكل الذين أتينا على ذكرهم يعيشون آمنين مطمئنين الى أن أي صوت متساءل يرتفع بوجههم سيخنق في الحال وأي يد تمتد اليهم ستقطع فوراً وألا سلطة تعلو على سلطانهم الغاشم. كانت يد العدالة خلال كل هذه السنوات أقصر من أن تطال أحداً من أولئك. إنهم يتمتعون بالحصانة. وهي إما حصانة منحوها لأنفسهم بغطاء قانوني أو حصانة منحها لهم الأمر الواقع المفروض بقوة النار أو المال أو قوى الخارج. إنهم أقوى من الدولة الكارتونية العلنية لأنهم الدولة الخفية التي تتحكم بكل شيء ورغم أنف الجميع. على مدى تسعة عشر عاماً والناس يتساءلون عن سر هذه الدولة العميقة التي تحمي كل هذا الكم الهائل من الفساد وتحول دون تمكين الدولة العلنية الظاهرة الرخوة من القيام بأدنى واجباتها ولو حفظاً لماء وجهها المعفر بالفساد. إننا لا نلقي الكلام جزافاً إنما إستناداً الى سجل حافل عمره كل هذه السنين من الإفلات من العقاب الذي أضحى ثقافة سياسية وممارسة مألوفة ربما ستتحول في يوم ما إذا لم تكن قد تحولت فعلاً الى عرف من الأعراف. تعجز أجهزة هذه الدولة الكارتونية عن معرفة مصير مئات مليارات الدولارات التي تم نهبها وتحويلها الى الخارج أو تدويرها في نشاطات غسيل الأموال. وإذا كانت عارفة مآل هذه الأموال فهي بالتأكيد مرتبكة وخائفة وفزعة ومحرجة من أن تتصرف وفق ما يمليه القانون وفي الحالتين دعونا نتلوا ما تيسر من دعاء الفرج عسى أن ينكشف السوء وتلتفت السماء الينا وتشملنا بعطفها ورعايتها وإن كنت تمنيت أن تهب جموع الفقراء، غالبية هذا الشعب، لإنتزاع حقوقها المشروعة وبقوة الحق المشروعة في نشاط متواصل لا يتوقف.