العراق ..النظام الرئاسي يعزز سلطة ” دكتاتورية الأغلبية” !!
حامد شهاب
تواجه موضوعة النظام الرئاسي في العراق إنتقادات حادة ، بل ورفض واسع من داخل الأوساط السياسية والمجتمعية العراقية، وبخاصة من قادة المكونين السني والكردي، والأقليات الاخرى التي ترى في النظام البرلماني الوسيلة الأمثل للحفاظ على هيبة المكونات العراقية، بعد إن ساد مفهوم ” دكتاتورية الأغلبية” الذي تروج له الكتل السياسية الشيعية ، وتجده الوسيلة المثلى للهيمنة على مقدرات العراق، وهي الوحيدة التي يكون بمقدورها ان تفرض إرادتها وسطوتها على السلطات العليا للبلد، وتقوض أية سلطة قرار للمكونات الأخرى ، وتجد في طروحات النظام الرئاسي الذي تروج له بعض الشخصيات القيادية الشيعية ومنها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ، وبعض قادة الجماعات المسلحة، وسيلة للتخلص من ضغوطات الاتهامات بالفشل في ادارة سلطة البلد ، وهو ، أي النظام الرئاسي، سيمكنها من تكريس “الهيمنة” الكلية على كل مفاصل السلطة والقرار، ولا يبقي للمكونات الاخرى سوى سلطات محدودة جدا، إن لم تكن تجردها من أية سلطة، على خلاف النظام البرلماني الذي يحافظ على ” بقايا” حفظ حق المكونات العراقية في الوجود وفي سلطة القرار، وان بقاء “النظام البرلماني” هو من يحفظ لها بقية هيبتها، التي تداعت على أكثر من صعيد.ويرى برلمانيون انه ماتزال الفقرة التي تضمّنتها قائمة مقترحات التعديلات الدستورية في العراق، المتمثلة بالتحوّل نحو نظام الحكم الرئاسي، والتي وردت في أعمال لجنة التعديلات الدستورية التي شكّلها البرلمان في 28 تشرين الأول من العام الماضي، تثير جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية التي انقسمت بشأنها، مع تحذير بعض الأطراف من الانفراد بالسلطات وتحكّم الأمزجة السياسية في البلاد، مقابل تأكيد أخرى دعمها لتغيير نظام الحكم.
ويؤكد عضو اللجنة النائب يونادم كنّا أن “الخلاف الذي ستواجهه لجنة التعديلات الدستورية ، يتعلق بطبيعة النظام، هل سيبقى نظاماً برلمانياً، أم يتحول إلى نظام رئاسي، أم إلى نظام مختلط”، مبيناً أن “هناك توجها من قبل القيادات السياسية التي فشلت بإدارة السلطة في البلد، نحو النظام الرئاسي، وأنها تعلق فشلها على طبيعة النظام البرلماني”، مشيرا الى أن “هذا الملف هو نقطة خلافية بين الاوساط السياسية ، قد لا تستطيع اللجنة حسمه بسبب وجهات النظر المتباعدة، الأمر الذي قد يجبرنا على عرضه على رئاسة البرلمان ليكون لها رأي بشأنه”.
وهنا يجدد النائب المسيحي يونادم كنا التأكيد أن “التراجع عن النظام البرلماني والديمقراطي لا يخدم الشراكة والتعايش السلمي”. وأشار إلى أن “الطبقة السياسية التي أمسكت السلطة مارست الفساد ولم تلتزم بالدستور ولم توفر شيئاً للشعب، واليوم تريد تغيير النظام إلى رئاسي”، مؤكداً أن “الخلل هو في الجهات الحاكمة وليس في طبيعة النظام”.في حين يرى ائتلاف “الوطنية” الذي يتزعّمه إياد علاوي، أنه يجب إبعاد الملف عن النقاش خلال الفترة الحالية، وأن يُترك إلى البرلمان المقبل ، مؤكدا رغبة ائتلافه في “الذهاب نحو النظام المختلط وليس النظام الرئاسي بشكل مباشر”، مبيناً أن “العراق بطبيعة تركيبته السكانية، من الصعوبة أن يحكمه رئيس ينفرد بصلاحيات واسعة”. ولم يخف ائتلاف “دولة القانون” الذي يتزعمه نوري المالكي الترويج على الدوام لرغبته في النظام الرئاسي، معتبراً أنه سيختزل الكثير من الحلقات الإدارية الفائضة في الدولة. ويؤكد اعضاء ائتلاف دولة القانون في كل مناظراتهم التلفزيونية وتبريراتهم غير العملية ، إن “العملية السياسية في العراق تعاني من وجود الكثير من الأقطاب التي لا تستطيع التوافق في ما بينها، ما انعكس بشكل غير إيجابي على وضع البلد بشكل عام”، مشيرين الى أن “اعتماد النظام الرئاسي سيختزل الكثير من تلك الحلقات التي قادت البلد إلى الوضع المتردي في كثير من النواحي، لا سيما مع ضعف سلطة القانون”.ويعبر قادة المكون السني والكردي على حد سواء، عن مخاوفهم من الانتقال الى النظام الرئاسي، كون “النظام البرلماني” يوفر لهم الحد الأدنى من ان تكون ” سلطة القرار” بيدهم، عندما يكون البرلمان في ظل قيادة من أحد الشخصيات المهمة من مكونهم، ويعبر قادة الكرد عن المخاوف نفسها ، عندما يجدون في إسناد سلطة رئاسة الجمهورية لهم، وفي وجود سلطتهم داخل البرلمان، إنما يمثل ” بقية سلطة ” تكرس حفاظهم على مكونهم، لكي لايكون بمقدور المكون الشيعي الذي يدعي الأغلبية ان يصادر قرارهم السياسي ، او يحرمهم من سلطة القرار ، ولا يترك لهم سوى ” بقايا سلطا،: لاتقدم ولا تؤخر!!
والخلاصة ان بقاء النظام البرلماني على كل سلبياته واخفاقاته، يبقى هو الافضل ، في أن يحافظ على حقوق المكونات، ولا يترك لطائفة ان تكون هي المهيمنة على الدوام على سلطة القرار، كما ان وجود كتل سياسية متعددة من الكتل الشيعية وحتى السنية والكردية هو من يحافظ على ” معادلة التوازن ” المكوناتية، من ان تتم مصادرتها من ” دكتاتاتورية الأغلبية” التي لم تبق للآخرين سوى قشور، وعظام نخرة ، بعد إن جردت المكونات الأخرى من سلطة القرار وصادرتهاـ تحت مبررات مختلفة!!ولو كان النظام السياسي في العراق يعيش حالات إستقرار واعتراف بالآخر ، ومشاركة للجميع في سلطة القرار، ولا توجد حالات احتراب طائفي ومكوناتي، وتدخلات الجماعات المسلحة ، ولو كانت ظروف العراق مشابهة لدول أقليمية مجاورة ، لنا لأمكن الذهاب الى النظام الرئاسي، لكن في ظل وجود احتراب سياسي ومجتمعي وقومي ، وتكريس مبدأ ” الهيمنة الطائفية” و” دكتاتورية الأغلبية ” يتعذر قبول النظام الرئاسي، بل وسيتحول إن جرى تطبيقه الى وسيلة أخرى للاستفراد بسلطة القرار، بحيث لاتبقى للمكونات الاخرى من سلطة ، وسيتحول البلد الى حالات احتراب أهلي مجددا، قد تكون نتائجها كارثية ومأساوية، وقد تحمل نعش العراق الى مثواه الأخير!!