العراق: المشاريع الوهمية تستنزف 300 مليار دولار
رغم حديث الحكومة العراقية المستمر حول أهمية جهود مكافحة الفساد في البلاد للتخفيف من وطأة الأزمة المالية، وسعيها لاسترداد جزء من الأموال المنهوبة، لا تزال قضية المشاريع الوهمية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة، خاصة في حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية 2006 ــ 2014، مجمدة، لم ترق معالجاتها إلى حجم الأزمة.
وتقدر قيمة المشاريع الوهمية التي أعلن عنها وسحبت مبالغها فعليا من خزينة الدولة بنحو 300 مليار دولار، بحسب مصادر برلمانية، أكدت أنها تتمثل في مشاريع لم تنفذ لمستشفيات ومدارس ومراكز صحية وطرق وجسور ومراكز ترفيهية ومنتجعات سياحية، واستثمارات في القطاعين الزراعي والصناعي والإسكان.
وقال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ثامر ذيبان، إن “العراق بعد عام 2005 كان من المفترض أن يشهد ثورة عمرانية كبيرة في كافة المجالات لوجود موازنات “انفجارية”، لكن للأسف الشديد ذهبت هذه الموازنات إلى جيوب الفاسدين عن طريق المشاريع الوهمية التي أصبحت واحدة من أخطر نوافذ الفساد في العراق، ما أدى إلى تراجع الخدمات بشكل كبير في كافة المجالات”.
وأضاف أن “ما يقارب 300 مليار دولار أنفقتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2005 ولغاية اللحظة على مشاريع وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، استغلها الفاسدون لبناء إمبراطورياتهم الشخصية والحزبية”، منوها إلى أن بعض الشخصيات أصبحت بفضل هذه المشاريع ذات ثراء فاحش بعدما كانت تعيش تحت خط الفقر داخل العراق وخارجه”.
وأشار ذيبان إلى أنه “في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العراق بات من الضروري على هيئة النزاهة والادعاء العام فتح جميع الملفات في ما يخص المشاريع الوهمية والملفات الأخرى، ولا يستثنى من ذلك أي شخصية أو أي اسم سواء كان صغيراً أم كبيراً بدءاً من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الوزراء إلى مجلس النواب وقادة الكتل السياسية”.
من جهته، قال مصدر مقرب من الحكومة العراقية فضل عدم الكشف عن هويته، إن “المشاريع الوهمية تُعد واحدة من المشاكل الشائكة والمعقدة التي يصعب على الحكومة حلها بسبب تورط شخصيات كبيرة وأحزاب سياسية متنفذة بسرقة المال العام وهدر ملايين الدولارات”.
وأضاف أن “وزارة التخطيط تحدثت عن وجود نحو 6250 مشروعاً معطلاً دون أن تتطرق إلى المشاريع الوهمية التي تجاوزت 9000 مشروع، منقسمة ما بين مشاريع كبيرة وصغيرة استنزفت خزينة الدولة بمبالغ مهولة”، مبيناً أن جميع هذه الأموال ذهبت إلى جيوب الفاسدين والأحزاب السياسية لتمويل نفسها، وبعضها انتهى به الحال في بنوك لبنانية وإيرانية تلاشت بالأزمة المالية في كلا البلدين ولا يعرف مصيرها.
ووفق المصدر، فإن ملف محاربة الفساد شائك ومعقد، لعدم وجود جدية في التعامل معه من قبل هيئة ولجنة النزاهة العراقية فضلاً عن عمليات المساومة التي تقوم بها اللجان المكلفة بكشف الفساد مقابل إغلاق الملف بالكامل، الأمر الذي ساهم باستنزاف خزينة الدولة وجعل البلاد في وضع مالي يُعد الأصعب والأخطر في تاريخه.
وأشار المصدر إلى أن فساد المشاريع الوهمية والمتلكئة انتشر في مختلف محافظات العراق، لكنها تركزت بشكل أكبر في مناطق وسط وجنوب العراق حيث تُعد هذه المحافظات الأكثر فساداً بين محافظات العراق وخصوصاً محافظتي البصرة والنجف، على حد قوله.
ومن أمثلة المشاريع الوهمية بحسب المصدر نفسه، هدم نحو 1000 مدرسة في مختلف مناطق العراق ما بين عامي 2010 و2012 على أساس أن يتم بناء مدارس محلها، لكن في الحقيقة لم تنشأ أي مدرسة جديدة بالإضافة إلى تخصيص أكثر من 800 مليون دولار لبناء 5 مستشفيات لكنها جميعها ما زال على الورق فقط ولا وجود لها على أرض الواقع، إضافة إلى مجمعات سكنية في كربلاء والبصرة ومختبرات طبية حديثة ومراكز طبية للنساء والأطفال وملاعب رياضية وحدائق ومراكز محو أمية ومشاريع نقل مختلفة لم يتم إنجازها.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، علي الفريجي، إن “أنظمة الحكم المتعاقبة التي تسيطر عليها أحزاب السلطة منذ عام 2005 ولغاية اللحظة تخللتها عمليات الفساد وأبرزها المشاريع الوهمية التي تم دفع مستحقاتها وبأرقام عالية جداً دون تنفيذ”.
وأضاف أن “الإحصاءات تشير إلى وجود آلاف المشروعات الوهمية تُقدر تكلفتها بنحو 178 مليار دولار”، منوها إلى أن هذا المبلغ كفيل بإعادة بناء البنى التحتية للعراق من شماله إلى جنوبه لو استثمر بالشكل الصحيح. وللحد من مشكلة المشاريع الوهمية قدم الفريجي عدة مقترحات، منها إعادة صياغة آليات طرح المشاريع ومعاقبة المسؤولين المتورطين بملف هدر المال العام.
وفي سياق ذلك، قال النائب السابق، حامد المطلك، إن المشاريع الوهمية في العراق لا تُعد ولا تحصى. وقدّر المطلك كلفة المشاريع الوهمية بأكثر من 300 مليار دولار مليار دولار، موضحا أن أبرز القطاعات التي طاولها الفساد تتركز في قطاعات الصحة والإسكان والتربية، فضلا عن البنى التحتية كالطرق والجسور وشبكات الصرف الصحي.
الأولى نيوز – متابعه