العراق أمانة في أعناقكم يا حكام العراق – علي الشكري
العراق أمانة في أعناقكم يا حكام العراق – علي الشكري
قبل قرابة الألف واربعمائة سنة بويع سيد الزاهدين وامام المتقين علي بن أبي طالب ( عليه السلام) خليفة للمسلمين ، بعد أن صّد عنها واعرض عن تحديها ، وهو من خاطب الفانية بقوله (يا دنيا غري غيري ) فكان في خلافتهم استشهاده على يد أرذل الخلق وأكثرهم شقاقاً ونفاقاً ، والمتتبع لحقبة حكمه ( عليه السلام ) يجدها فتن واضطراب وانشقاق ودسيسة وتآمر ، لا لشيء الا لأن المتصدي ( علي ) أخي رسول الله وابن عمه ووزيره وصهره وناقل حديثه وحامل لواءه والامين على رسالته من بعده …….. وبعد رحيل من لم يبلغ مقامه بشر بعد ، لا يزال الباغض يهاجم حكم ( علي ) ويختلق السقطات ، وفي عهده لم يهضم حق الا وانتصر له ، ولم يظلم عبد الا واقسط حقه ، ولم تظهر مفسدة الا ولاحقها ، حافظ على هيبة الخلافة ، نشر الإسلام بحكمته وأخلاقه وتدينه وعلمه وتاريخه ، لا بسيفه كما فعل اللاحقون، يقضي الليل متنقلاً بين الرعية ، يمسح على رأس اليتيم ، يقوي الضعيف ، وينتصر للمظلوم ، تعهد أمام أهل الحل والعقد والرعية أن يحافظ على مال المسلمين ، فكان مثلاً للحاكم المقسط الذي لم يدانيه حاكم ولم يقاربه خليفة ولم يفوقه مقسط بشري عادل ، حفظ بيضة الإسلام ، وأثرى الموروث، ولم يغادر ( عليه السلام ) السدة الا وهو مخضب بدمه بسيف مسموم ، بعد أن انتشرت الفتن ، وحكيت المؤامرات ، وتوالت الدســــــائس ، لا لشيء الا بغضاً بعلي ( عليه السلام ) ونصرة للظالم .
زاهد حكيم واذا ناصب الغالب من المتأسلمين حكم علي العداء ، وهو الزاهد المقسط الحكيم العليم المنصف الشجاع القوي العادل الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم ، فهل من المتوقع قبول حكم شيعته بعد أن غاب عنهم الحكم لقرون وسنون ودهور ، نعم هي المؤامرة على حكم شيعة علي ( عليه السلام) ومن ادعى الانتماء اليه ، فمذ تصدى الاتباع ، والإرهاب توجه صوب الوطن من شتى اصقاع الأرض ، بل والتنظيمات الإرهابية تؤسس لأجله ، والتمويلات تطلق للإطاحة به ، ومراكز التجنيد تستحدث لاستقبال كل باغض منحرف ناصبي ، نعم على شطط من ادعى نجاح من تصدى ، فقد تفشى في العهد الجديد الفساد وساد الظلم وكثر الفقر وارتفعت معدلات البطالة واهدرت الثروات وهُربت الاموال وانتشرت الظواهر الدخيلة ، لكن الحقيقية الثابتة أن الشيعة لم يتصدوا بمفردهم كما تصدى من سبقهم ، فتفرد في الحكم والقرار ، فمذ زال حكم الديكتاتور والثالوث مشترك لا مشارك ، فالمناصب السيادية تقاسمها الشركاء على أساس القومية والطائفة ، وراحت الوازارات تُقسم على أساس النقاط والمقاعد ، وكذا الأمنيات والقيادات والسفارات والتمثيلات في المحافظات ، شيعي لا يعمل في محافظة سنية ، وسني لا يعمل في منطقة شيعية ، وكلاهما لا يدخل في اقليم كوردي الا بموافقة أمنية . وبالقطع أن الجميع مشترك لا مشارك في الفساد وسوء الإدارة وتفشي السلبيات ، لكن اللافت أن الفتنة شيعية شيعية ، تيار يتظاهر على إطار ، واطار يخرج على تيار ، الأول يطالب بحل البرلمان قضائياً ، والثاني يقول بعدم الدستورية ، المحافظات الشيعية معطلة واقفة ، لا بناء ولا إعمار ولا تجارة ولا عمل ، والشريك يتابع يراقب ينتظر ما سيسفر عنه الخلاف الشيعي الشيعي ، فالخاسر طرف ، والرابح شريك ، ولا يعلم الشريك أن الفتنة لو أوقدت نيرانها ستأتي على الجميع ، فالخاسر في هذه المعادلة وطن وشعب وفقير ، ومنتظر طالت وقفته وهو يتطلع ليوم يرى فيه الوطن معافى والشعب متنعم بثرواته . لقد طال الانتظار ، ومرت الأزمان ، وتقدمت الامم ، وبُنيت الأوطان ، وتقدم المتخلف ، وشُيد القديم ، والعراق من حكم طاغية الى ارهاب وطائفية وقتل وتهجير ، وضياع للأموال ونهب للثروات ، وزاد لمن شحت مائدته وقلت ثروته وغابت خيراته ، والجميع دون استثناء يتباكى ظاهراً على وطن مستضعف وشعب مقهور .
ما احوجنا اليوم لاستذكار تجربة علي والحسين ( عليهما السلام ) واستلهام العبِر منها ، إذ نعيش اليوم ذكرى خروج الحق كله على الباطل كله ، فلم يخرج أمام المتقين على معسكر الكفر من أجل دنيا فانية أو حكم زائل ، لكنه خرج نصرة لدين جده محمد (صلى الله عليه وسلم ) ، فصحح مسار وقوم اعوجاج ، فخلده الدين والتاريخ والانصار ، وفي المأثور الناس على دين ملوكهم ، فسيروا يا أنصار الحسين واتباع الحق من كل الملل والنحل ، على خطى علي والحسين ( عليهما السلام ) فلم يكن علي والحسين لاتباع دين او ملة أو طائفة ، لكنهم لكل باحث عن حق واستقامة وكلمة سواء ، فقد ضاقت الحلقات ، وتراجعت المسارات ، واستحكمت الأزمات ، وراح صبر الشعب المقهور ينفذ ، فحاكم منصف ، ووزير مهني ، وبرلماني مدافع ، ومتصدي قادر ، ويد نظيفة ، هو ما تطلع اليه الشعب . وبالقطع أن ما تطلع اليه المقهور ، حق ومطلب واستحقاق ، وعلى الجميع النزول عن سقف مطالبه من أجل الجميع ، فالحاكم وكيل والشعب موكل ، وللأخير صبره ومداه ، وفي تجارب العراق والشعوب الحرة عبرة وعظة ، فأبوة راعية منصفة وإن تباين المشرب والانحدار والامتداد يقيناً ستكون كفيلة بعودة الشعب محتضناً للحاكم ، وسعيد من هضم الدرس واعتبر به .