الضحك على النفس بالتراضي أسلوب تفاوضأبريل
فاتح عبدالسلام
في السياسة يعلم اللاعبون الكبار انّ الخطوة التي يقدمون عليها في ميدان اية مفاوضات، هي تشبه لعبة بلاستيكية مزركشة لتهدئة طفل يصرخ، بل هناك اعتقاد تقليدي قبل بدء اية مفاوضات انّ التسويات النهائية لن يكون لها نصيب، وانّ الذي يجري هو ضحك على النفس بالتراضي المشترك، لأنّ الطرفين يكونان بحاجة الى نوافذ ومكاسب في المادة والوقت وأبواب مفتوحة وخطوط رجعة غير مقطوعة . في السودان، بعد أن أصبح البلد كله رهينة قوتين، الأولى تقليدية مرتبطة بالعنوان الأساس وهو الجيش الرسمي، وما يمثله من محطات كبيرة في تاريخه منذ استقلال السودان، وبين قوات عسكرية غير رسمية تشبه في تشكيلها المليشيات، كانت ذات يوم رديفاً للجيش الوطني واليوم تنزع نحو الاستقلالية في القرار السياسي والرغبة في التحوّل من موقع التابع الى موقع المحور المتبوع.حالة السودان ليست فريدة في العالم، هناك ما يشبهها في تاريخ العرب أو دول المنطقة، فذات يوم كان في سوريا في ثمانينات القرن الماضي سرايا الدفاع، واتخذت موقعاً ينافس الجيش السوري ويتفوق عليه، قبل ان تُحسم الموازنات” السيادية” لصالح الجيش السوري، وتمّ تفكيك تلك السرايا ونهايتها بيد مَن صنعها. لكن ليست النهايات دائماً تتجه للحسم لصالح أحد الطرفين، اذا كان هناك ناظم سيطرة مركزي، كما في ايران حيث الموازنة قائمة بين الحرس الثوري والجيش النظامي، ليس من خلال الصلاحيات والقوة ولكن من خلال التعايش والقبول بالأدوار الموكلة. وفي العراق، تحوّلت الدولة الى المستوعب المنظم للقوات غير النظامية ومعاملتها كجزء من القوات الأمنية وبات الجيش نفسه جزءاً منها. وفي لبنان حالة أخرى من وجود قوتين وربما أكثر، في سياق زمني واحد. غير انه ليس في كل مرة يمكن أن تنجح تجارب توافر قوتين في بلد واحد، أو ما يسمى تعدد مراكز النفوذ، بل انَّ البلدان لا تمتلك اية ضمانات لكي تنجو مراكبها في ظل وجود قوى متعددة، لا يمكن توحيدها ودمجها لأسباب داخلية أو خارجية ، ولأسباب سياسية أو قومية أو مذهبية. في ضوء هذا المنظور، سيتكرر سماعنا عن اعلان بداية هدنة ونهاية هدنة، من دون نهاية لأية حرب تندلع في عاصمة عربية قبل ان يكون الحسم لجهة واحدة تمثل البلاد أو ان تكون للبلد عاصمتان كما حدث في اليمن.