الضحك….الخوف
الكاتبة د . فاطمة الفياض
في البدء لابد من التنويه إننا نتناول موضوعين متناقضين في الدوافع والنتائج، ولكنهما على المستوى السياسي يعرضان مفارقة غريبة تتعلق بموقف كل من السلطات الدكتاتورية والسلطات الديمقراطية منهما
في رواية( اسم الوردة ،لإيكو)حوار طريف بين بطل الرواية والقس،يوجه البطل سؤالا للقس (لماذا أتلفت كتاب ارسطو عن الضحك ؟) يجيب القس(لو تمكّن الإنسان من تحويل فن الضّحك إلى سلاح بارع، لو استطاع أن يعوّض قوة الإقناع ببلاغة السخرية، لانهارت العلوم الدينية)
يقول المسرحي والكاتب ساشا غيتري (1885-1957 ) قل لي ما يضحكك أقول لك من أنت .
ولكن ما هو الضحك؟
الضحك هو تفاعل وجداني يتأتى من مزاج معين، هذا المزاج في أغلب الأحيان يتواءم مع التفاعل ، فقد يضحك الإنسان، ويتبسم، وقد يكون (أحيانا ) الضحك، من حالة مرضية، فبعض الناس قد يضحكون ويتبسمون دون وجود ما يستدعي ذلك ،
وهناك علاقة بين ضحك الإنسان وتنشيط قشرة الدماغ التي بدورها تفرز مادة الإندروفين فتمنح ما يضحك ويشيع الإحساس والسعادة ، وتشير التجارب الطبية ان مستوى السكر في الدم لدى بعض مرضى السكري قبل وبعد مشاهدتهم فيلما كوميديا ومحاضرة مملة ،لاحظوا انخفاضه بعد العرض الكوميدي .
وتقف الانظمة الدكتاتورية والايدلوجيات الشمولية (عموما ) ضد اشاعةالضحك كظاهرة تخلقها السخرية( مثلا) ولهذا فانا نلحظ بوضوح غياب الادب الساخر اوالسينما من المشهد الثقافي في ظلهما ،ذلك لأن الضحك يمنح القدرة على مقاومة الخوف، و على تحويل وجهة الكلمة دون أن تفقد القول معناها.و عادة يزدهر الادب الساخر في مراحل التحولات الثوريّة،( فمن الملاحظ في الآداب عامة، أن ازدهار السخرية والفكاهة وانتشار التورية والعبارات القارضة والتلميحية والمبالغة يتزامن كلاهما أكثر ما يتزامن مع مراحل التحولات الثورية والتغيرات الاجتماعية الكبيرة والانتقال من نظام اجتماعي -سياسي إلى نظام آخر، و ازدهر الأدب الروسي الساخر، والقصة الروسية القصيرة الساخرة تحديدا، وانتشر انتشارا واسعا في السنوات العشر الأولى التي أعقبت ثورة أكتوبر 1917، وكذلك في أعقاب “البيريسترويكا” وانهيار الاتحاد السوفييتي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين)
وفي القرن الخامس قبل الميلاد كتب ارستوفانيس مسرحية ساخرة بعنوان (الضفادع ) كانت واحدة من المسرحيات المحكمة والتي تتحكم بالمشاهد فلا ينفك يضحك على شعراء اثينا النرجسيين وساستها المتعالين الذين لم يكن همهم إلا الحرب وصناعة الحرب , واشغال الناس فيما لا يهم الوطن والمواطن من أجل الإستحواذ على الحكم
وفي أواخر القرن السابع عشر ، كتب غالبية كتاب ذلك العصر أشهر أعمال السخرية، مثل الكسندر بوب في كتاب بعنوان دنسياد، الذي هاجم فيه الشعراء والكتاب الذين أساءوا استعمال اللغة الانكليزية، والكاتب الفرنسي موباسان، الذي كان يقطن منطقة بيكال وكان كل همه رصد تحركات وتصرفات المرأة الفرنسية في سذاجة تفكيرها وإقدامها على حركات وسلوكيات متكلفة وضمّن نماذجه في قصص ساخرة لا تخلو من صبغة الإضحاك.
ان إضحاك الناس من رجال السلطة بشكل او اخر عملية تهدف الى تعريةالزمر الحاكمة ،وتعرف هذه الزمر دور الاضحاك في خلق مناخ معاد يتسع باستمرار.
ان هذا العداء للضحك هو في الحقيقة ناتج عن ان الضحك يمنح الانسان القدرةعلى التفكير وعلى الشعور بوجود الامل ،مما يعني العمل من أجل الوصول الى السعادة بتغيير الواقع(راديكاليا ) اوعلى الاقل تطويره (ليبراليا )
وهذا يقلق السلطات الدكتاتورية والايدلوجيات الشمولية لأنهما ضد التغيير على أي نحو فهو تهديد لوجودهما ،يقول اميل حبيبي :(السخرية سلاح يهز عروش الظالمين…لكن ما نلاحظه هو اختفاء هذا النمط الأدبي الرائع أو تقلصه في ظروف تجعلنا نحتاجه و بقوة ..قراءة و كتابة لنحلق بعيدا عن الحزن و الاوجاع)
وعلى العكس تقف السلطات الديمقراطية من الادب الساخر وعمليةالاضحاك ، فهي تشجع الادب الساخر ونجد ان هناك برامج تلفزيونية يومية ساخرة لا توفر احدا من رجالات السلطةالحاكمة ،
أما الخوف ،
فإنا نجد أن ان السلطات الدكتاتورية والايدلوجيات الشاملة تعمل على تصنيعه وكأنها تتعاون مع حكايات الجدات للاطفال في ليالي الشتاء الموحشة عن (الطنطل والسعلوة والكرطة)
ونتسائل ثانية:ماهوالخوف ؟
هو حالة شعورية تتمثل في استجابات نفسية وجسدية ، تنتاب الانسان عند تعرضه لتهديدات داخلية أو خارجية،
وهذه الاستجابات، التغيرات التي يتعرض لها الخائف، كزيادة دقات القلب والتعرق الزائد وقد قام علم النفس بتعريفه على أنه، شعور يشعر به عقل الإنسان عندما يترقب أن يحدث له خطر معين أو أمر سلبي، وبالاضافة الى الخوف الذي تزرعه العائلة في حكايتها للاطفال والخوف الذي تصنّعةالسلطة ، هناك خوف مرضي يسمى، كمصطلح، (الرهاب ) وهو الخوف الشديد .
وتحل مشكلةالخوف (عندما نواجهها وبذلك نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو حلها، إذ أن العلاج النفسي خطوة نحارب عبرها العوامل النفسية التي تقف وراء هذه المشكلة وتتسبب في حدوثها، ونحقق من خلال العلاج النفسي أسباب الراحة النفسية الدائمة) عن (أ.د.قاسم حسين صالح)
أما الخوف الذي (تصنّعةالسلطات الاستبدادية ) لضمان عدم مطالبةالجماهير بتغييربنية السلطة الحاكمة لفشلها في أداءالمهمات المنوطة بها ، فانه يمثل حالة تستدعي المشاركة الجماهيريةالواسعة بالتخلص من عقدة الخوف في المجتمع وصولاً لتفكيك الدكتاتورية كنظام،
فالخوف (المصّنع) ليس مرضا ولكنه ظاهرة تحكمها سيطرة الدولة في النظام الاستبدادي على الحياة السياسية و الاقتصاد والحراك الاجتماعي والثقافي، وتدخلها في صياغة عقول ومخيلة الأفراد، وتعمل على تحديد قناعات الناس ووجهات نظرهم ، وجعل الشك والريبة موقفين سايكولوجيين يربطان الأفراد والمجموعات ببعضها و تخضع الدولة المستبدة جميع المؤسسات المدنية لهيمنتها،
والخوف هنا ليس مرضا ولكنه صناعة السلطات الدكتاتورية ,ومن مظاهره رفع مستويات الضغط النفسي الى درجات عليا ، عن طريق الدخول في نزاعات مسلحة والسيطرةعلى وسائل الاعلام واشغال الجماهير بمسيرات ومهرجانات مكرسة للتغني بالسلطة السياسية فضلاعن تسلط وسائل القمع والقهر النفسي، ومما لاشك فيه فإن هذا يؤدي إلى استجابات انفعالية تؤثر في السلوك العام للانسان ،
اما في ظل الانظمة الديمقراطية ،فان السلطة تعمل على تفعيل الوعي الجماهيري واشراك الافراد عن طريق منظمات المجتمع المدني في القرار السياسي، وبالتالي التفاعل مع انشطة الدولة ،وشعور المشاركةهنا يخفف من الضغوط النفسية
ومن المهم الاشارة الى ان الدولة الحديثة تتحول تدريجيا الى دولة شمولية وهنا مكمن الخطر الذي(ربما ) يفاقمه ماستتمخض عنه جائحة فايروس كورونا من نتائج على مستوى النظام الاقتصادي العالمي والذي ساتعرض له لاحقا