الصلاحية الدستورية لرئيس جمهورية العراق
طارق عبد الحافظ الزبيدي
أقر دستور جمهورية العراق النافذ لسنة 2005 عدد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية ومنها صلاحية تكليف الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال مدة معينة لا تتجاوز ثلاثون يوماً اعتباراً من تاريخ يوم التكليف وهذا ما نصت عليه المادة (76) أولاً، وبغض النظر عن الإشكاليات التي تعتري تفسير المحكمة الاتحادية ومدى تطابقها مع نية المشرع، ومدى تطابق التفسير مع الأعراف الديمقراطية السائدة في الأنظمة الديمقراطية في دول العالم، ومدى تأثير هذا التفسير على استقرار العملية الانتخابية ونتائجها الآنية والمستقبلية، حيث أن التفسير بحد ذاته يحتاج إلى مقالة منفصلة، لذلك سوف نركز على محور محدد ألا وهو صلاحيات رئيس الجمهورية في إمكانية التكليف دون الرجوع إلى الكتلة النيابية الأكثر عددا التي نصت عليها المادة المشار إليها أعلاه.إشكالية الدراسة تتعلق بسؤال جوهري: هل منح الدستور صلاحية لرئيس الجمهورية بأن يكلف شخص دون الرجوع إلى الكتلة الأكبر عددا، أم أنه ملزم بأن يكون التكليف ليس اختياري بل تكليف موجه من قبل الكتلة النيابية الأكثر عددا؟، ثم إذا كان التكليف بهذا الشكل، كيف قام رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح بتكليف النائب عدنان الزرفي بتاريخ 17/3/2020؟.وبعد تحديد التساؤل ننتقل إلى الفرضية التي تحاول الدراسة إثباتها أو نفيها وتنطلق من القول: “إن رئيس الجمهورية هو الحامي للدستور فمن غير المعقول والمنطقي أن يتصرف بشكل شخصي، بل يجب أن يؤطر عمله وفق نصوص الدستور، مما يجعلنا أن نتابع نصوص الدستور بشي من التفصيل لمعرفة مدى دستورية الإجراء من عدمه، بمعنى آخر هل منح الدستور العراقي لسنة 2005 هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية أم أنه تصرف شخصي ارتجالي؟”.بالرغم من أن رئيس الجمهورية في الأنظمة البرلمانية دائما ما يكون منصباً فخرياً، فيه جانب بروتوكولي أكثر منه إجرائي، لكن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 أكد على عدد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية، من تلك الصلاحيات وأهمها ما يلي:- إصدار العفو الخاص.- المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية.- المصادقة على القوانين التي يسنها مجلس النواب.- المصادقة على أحكام الإعدام.- تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً حسب المادة (76) أولاً.والأخيرة أهم الصلاحية تقريباً ومحور دراستنا في هذه المقالة، كون هذا الاختيار سيحدد مستقبل العراق لأربعة سنوات لرئيس وزراء لديه صلاحيات واسعة وفق الدستور، لكن الصلاحية وفق المادة (76) أولاً محددة بنص واضح وجلي، حيث تنص على ما يلي: (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجهورية)، أما الفقرة ثانياً من نفس المادة فقد حددت المدة الدستورية التي تمنح لرئيس الوزراء المكلف وهي (ثلاثون يوماً) فقط، إذا هنا التساؤل على ماذا استند رئيس الجمهورية العراقية في التكليف الذي جرى بتاريخ 17/3/2020 للنائب عدنان الزرفي؟، وعلى أي مادة استند، وعند متابعة التصريحات السياسية والإعلامية بهذا الصدد، نجدها مختلفة بين رافض ومؤيد، ولكن الرفض أكثر من القبول كون المرشح ليس مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بل هو مرشح رئيس الجمهورية ذاته.وعند الرجوع إلى ذات المادة (76) لكن الفقرة ثالثاً، هنا الوضع اختلف بشكل كلي، حيث نجد أن نص المادة ينص على ما يلي: (يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانيا من هذه المادة).للوهلة الأولى وعند قراءة نص المادة (76) أولاً وثانياً يتضح أن رئيس الجمهورية صلاحياته واضحة فهو يختار ما تم اختياره، لكن عند قراءة نص الفقرة (ثالثاً) من نفس المادة يتضح جدا أن الدستور أعطاه الصلاحية الكاملة بأن يختار مرشحا جديداً دون الرجوع إلى الكتلة النيابية الأكثر عدداً بشرط إخفاق التكليف الأول، بمعنى آخر، أن نص المادة صريح وواضح في الفقرة ثالثاً، حيث التكليف الثاني لا يحتاج الرجوع إلى الكتلة الأكبر كون المادة لم تشر إلى الكتلة الأكبر هنا بل أشار إلى صلاحية رئيس الجمهورية بالتكليف في حالة الإخفاق.لذلك يتضح مما سبق، إن تكليف رئيس الجمهورية برهم صالح، بتاريخ 17/3/2020 للنائب عدنان الزرفي دون الرجوع إلى الكتلة الأكبر صحيح وفق نص المادة (76) ثالثاً الواضحة الدلالة، ويعني ذلك أن رئيس الجمهورية لديه صلاحية أخرى مستترة داخل المادة تعطيه صلاحية غير مفعلة، والاعتراض الذي تم يفترض أن يوجه إلى المشرع (لجنة كتابة الدستور)، وليس إلى رئيس الجمهورية الذي طبق نص المادة بالنص، ليس من باب الدفاع عن رئيس الجمهورية أو إعطاء مصداقية للإجراء، بل أن القراءة الدقيقة الموضوعية غير المنحازة لنص المادة بالذات الفقرة (ثالثاً)، تعطي الدلالة والحجة الواضحة.وفي خاتمة القول لابد من التوضيح، إن التعامل مع نص المادة بحاجة إلى قراءة دقيقة ومستفيضة، من حيث بقاء نص المادة ملزم لرئيس الجمهورية لممارسة صلاحياته، لذلك أمام الكتل السياسية النافذة في المشهد السياسي خياران لا ثالث لهما، الأول إذا كان وجود نص المادة خطأ غير مقصود أو هفوة من قبل المشرع، يجب أن تضع في حسبانها ضرورة تعديل المادة في المستقبل القريب ووضعها ضمن جدول أعمال اللجان المقترحة للتعديل، وإذا اتضح أن المشرع قاصد لوجودها يجب تفعيلها لغرض الضغط على الكتلة الأكبر عددا لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لتفادي أخذ حقها في التكليف.