بعد أن أخذت الصحافة دورها في قيادة الرأي العام والتأثير فيه أُطلق عليها لقب «السلطة الرابعة»، أي أنها تمثل السلطة الرابعة في الدول بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لتكون سلطة رقابية على عمل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، لكن فاعلية هذه السلطة الرقابية ترتبط باستقلالية الصحافة وعدم تسييسها. منذ العقد الأخير من القرن العشرين، لم تستطع غالبية الصحف الحفاظ على استقلاليتها واتجهت نحو التسيس وتمت السيطرة أو التأثير فيها من جانب أجهزة الدولة، فأصبحت الصحف العالمية أداة من أدوات تنفيذ أجندات الاستخبارات العالمية، فيتم استعمال الصحف والتأثير فيها من بعيد لجرّها الى تنفيذ أهداف ومشاريع معينة في المناطق المستهدفة، من خلال تسريب معلومات لها بغية نشرها بما يخدم مشروع الاستخبارات.
وبما أن الاستخبارات العالمية لها أجندات مختلفة تسعى لتنفيذها في مناطق الصراع، فإن هذا الاختلاف انسحب على الصحافة العالمية المهتمة بتلك المناطق من خلال اتباعها أساليب مختلفة في تناول الحدث والتسويق له بصورة تتوافق مع رؤية الاستخبارات التي تقودها من بعيد. فمثلاً في قضايا الشرق الأوسط الساخنة، نجد أن تقارير الصحف العالمية تختلف عن بعضها بعضاً في تناول القضية ذاتها، فصحيفة معينة تحمّل مسؤولية القضية لطرف فاعل على الأرض لكنه محسوب على دولة ثانية، كروسيا مثلاً، بينما تعمل صحف أخرى على تحميل مسؤولية الحدث ذاته لطرف محسوب على الولايات المتحدة، وتقدم كل صحيفة ما تصفه بالأدلة والبراهين التي تخدم مشروع أجندة الاستخبارات الأميركية أو الروسية، وأمثلة ذلك في الملف السوري كثيرة جداً.
وفي الميدان العراقي غالباً ما تنشر تقارير وأخبار في صحف عالمية، مثل «واشنطن بوست» و «دايلي ميل» و «صاندي تايمز» و «اندبندت» وغيرها تتناول قضايا عراقية لكن بصورة مختلفة في الطرح، فكل صحيفة تسوّق الحدث بطريقة تخدم أهداف الاستخبارات التي تقودها أو تؤثر فيها.
إذاً، أين يكمن التقارب والتباعد بين الصحافة والاستخبارات؟
– تتفق الصحافة مع الاستخبارات التي تؤثر فيها أو تقودها وتتقارب معها.
– تتفق الصحافة العالمية في ما بينها، إذا اتفقت الاستخبارات العالمية الفاعلة على الميدان المستهدف أو المنطقة، فتارة تؤجج التوتر وتارة تدعو الى الحوار والتوافق، وفقاً للمصالح والنفوذ والاتفاق بين الأجهزة العالمية، كما سيتجه الأمر في الملف السوي بحسمه بين الكبار وإنهاء الصراع بالتقسيم، وهذا ما يرشح عن اجتماعات الكبار وما تروج له الصحافة العالمية له.
– تختلف الصحافة العالمية في تناول موضوع معين، إذا اختلفت الاستخبارات العالمية الفاعلة في ميدان الموضوع المعين بسبب عدم الاتفاق على المصالح وتقاسم النفوذ.
من مجمل ما تقدم، يمكن القول إن غالبية الصحافة العالمية في عالمنا المعاصر باتت أداة لتنفيذ أجندات الاستخبارات العالمية عبر تــسريب معلومات لها لنشرها والتأثير في الرأي العام أو تضليله. أما التقارب والتباعد بين الصحافة والاستخبارات فيتوقفان على المصالح والأجندات، لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك وسائل إعلام مستقلة لكنها محدودة التأثير على الصعيد العالمي.