الشرطة تخاف العشائر.. مشهد يترسخ في المحافظات الجنوبية
تمثل ملاحقة المجرمين والمتهمين بتجارة المخدرات عامل قلق لدى عناصر الأمن في الجنوب العراقي، حيث تبرز سطوة العشائر، كأحد العوامل التي يتخوف منها المنتسبون، حال قتل أو إصابة أحد المطلوبين، خاصة وأن أفراد الشرطة المحلية، هم من أبناء تلك المحافظات والمناطق، ويسهل التعرف عليهم، وملاحقتهم.ومنذ أيام تعيش منطقة الإمام الصادق في محافظة البصرة، جنوبي العراق، أجواءً مرتبكة، بعد واقعة مقتل اثنين من سكانها، على يد الشرطة المحلية، وهو ما دعا قبيلة المقتوليَن إلى تفعيل “استخباراتها العشائرية” للكشف عن العشيرة التي ينتمي إليها أفراد الدورية.وبدأت القصة الأسبوع الماضي، عندما طالبت مجموعة تتبع لإحدى العشائر، بإتاوة مالية، من مقاول كان يعمل في ترميم إحدى المدارس، لكن المقاول رفض منحهم تلك النسبة، واتصل بالشرطة المحلية، التي أرسلت دورية إلى موقع الحادث، حيث اشتبكت تلك المجموعة مع عناصر الأمن مما تسبب بمقتل 2 من افراد هذه المجموعة الخارجة عن القانون، حسب ما ذكر الشيخ ضرغام المالكي، أن “أحد الضباط هو من قبيلتي، وتلقيت اتصالاً هاتفياً في اليوم الثاني، من أحد الأشخاص، الذي انهال عليّ بالتهديد والوعيد، والثأر، وطلب منّي ومن عشائر المنتسبين الآخرين، الجلوس ودفع الدية، وهذا يعني أننا مذنبون, وهو شيء غير مقبول”.ويرى خبراء أمنيون ومختصون، أن هذا المشهد، يرسم صورة مصغرة عن الواقع الأمني في العراق، والصعوبات التي تواجه مراكز الشرطة، حيث تلاحق العشائر عناصر القوات الأمنية في حال تطبيق القانون، وهو ما ينبغي حدوث العكس.ويرتبط هذا الملف بشكل كامل بالنزاعات العشائرية، وسطوة زعماء القبائل، واستفادة جهات محددة من هذه النزاعات وتأجيجها مثل الفصائل المسلحة، وغيرها، خاصة وأنها تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة، من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حصلت عليها بمختلف الطرق، وتجمعت لديها، مع ضعف الأجهزة الأمنية النظامية في ضبط تلك الأسلحة والعثور عليها.في هذا السياق، ترى النائبة في البرلمان العراقي محاسن حمدون، أهمية “نزع السلاح من في هذ المناطق، وإحلال خطة أمنية واضحة، ترتكز على تقوية القانون، ومنح عناصر الشرطة الدور المنوط بهم، خاصة وأن القوانين التي يتحدث البعض عن تشريعها ربما لا تقدم نتيجة واضحة في هذا الملف الشائك منذ سنوات، وعلى مدى الحكومات المتعاقبة لم تستطع إيجاد حل له”.وأضافت” أن “المناطق منزوعة السلاح نرى فيها قوة للقانون، وللدولة، أكثر من تلك التي تسيطر عليها العشائر، ولا تستطيع الحكومة حصر السلاح بيدها، فمثلاً المحافظات التي سيطر عليها داعش، ولكثرة الحملات لنزع السلاح فيها، وعدم تركه، نرى قلة في النزاعات العشائرية، أو تداخل بين أعمال الشرطة، وهذا يعطي مؤشراً على ضرورة بدء نزع الأسلحة من هناك، وعدم تركها بيد المواطنين، وتفعيل سلطة القانون”. وأعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مؤخراً عزمه فتح ملف النزاعات العشائرية.ويرى خبراء في الشأن الأمني، أن الكاظمي عليه إدراك حقيقة الأوضاع في تلك المدن، إذ أن السلاح المنفلت يتسبب بشكل كبير في تأجيج تلك الصراعات، فضلاً عن عجز القوات الأمنية في ضبط هذه المعارك غير المنتهية، بسبب الفساد المالي والإداري في صفوف المنتسبين والضباط، وتواطأهم مع زعماء القبائل، والتهاون في تطبيق القوانين.وما زالت حادثة منطقة الإمام الصادق، تتفاعل في المحافظات، حيث بدأت عشيرة البطاط بدكّ عشائر الضباط والمنتسبين الذين اشتبكوا مع مجموعة من العشيرة، تلقى بظلالها على المشهد في المحافظة، وسط تساؤلات عن دور وزارة المالية في تلك القضية.وبحسب مصدر مطلع فإن “هذه العشيرة، ومنذ أسبوع دكت عدة منازل تعود لعشيرة بني مالك وعشائر أخرى، إثر واقعة الاشتباك المسلح، وهدتت بقتل أفراد من العشائر، في حال عدم الجلوس ودفع الدية المطلوبة، وهي بالملايين، على رغم أن هؤلاء الذين اشبتكوا مع العصابة، هم قوة أمنية”.وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه ” أن “قيادة شرطة محافظة البصرة، وقيادة العمليات، ووزارة الداخلية، نأت بنفسها عن تلك الواقعة، وفضلت عدم التدخل، وهو ما أثار غضب عناصر الشرطة والضباط وعشائرهم، من تركهم وعدم مساندتهم، حيث من المقرر عقد أولى جلسات الصلح العشائري، خلال الأيام المقبلة”.ولفت إلى أن “جميع عناصر مركز الشرطة أصبحوا مطلوبين للعشائر، وتجري ملاحقتهم في الوقت الراهن، للضغط عليهم، وحل المسألة عشائرياً”.ويحذر خبراء أمنيون من انعكاس تلك الظاهرة، على قدرة عناصر الأمن في ملاحقة المجرمين والمتورطين بتهريب المخدرات والتجارة بالسلاح، وقطع الطرق، حيث أصبحت مراكز الشرطة تفضل الواجبات “الخفيفة” على تلك التي تتضمن ملاحقة مجرمين أو مهربين، وذلك تحسباً من الاشتباك معهم والتسبب بقتلهم أو حتى إصابتهم، ما يعني ملاحقتهم من أهالي هؤلاء المجرمين.وأعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 “اعتبار الدكات العشائرية (إطلاق النار العشوائي على منزل الخصم) من الجرائم الإرهابية، وضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم”.وأشار إلى أن المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقر العام 2005، تنص على أن “التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية”.إلا أن هذا القرار، لم يساهم في الحد من تلك الظاهرة، التي ما زالت منتشرة بين أفراد القبائل.وتقترح بعض الكتل البرلمانية من محافظات الوسط والجنوب تشريع قانون خاص لتنظيم شؤون العشائر في العراق، وترى أن يسهم في تسوية الخلافات وإيجاد طرق حل متفق عليها، ليعود السؤال عن كيفية إلزام العشائر، باتباع تشريعات صادرة من جهات رسمية بدت عاجزة أمام سلطة العشيرة.