السياسي الزبّال شرف
د. فاتح عبدالسلام
حين تواجه المجتمعات أزمات كبرى، تتداعى كل المناصب السياسية من اجل معالجة الخلل وسد الثغرات، حتى لو تطلب الامر النزول للعمل المباشر في ميدان مختلف جدا عن مجال عمل السياسي. وهذا مبني على حقيقة أساسية هي ان السياسي ليس منصبا شرفيا منفصلا عن المجتمع وحاجاته اليومية، وإذا كان كذلك فلا حاجة لنا به من الأساس. ميشيل لوجان غرتشام، حاكمة ولاية أمريكية هي نيو مكسيكو تحمل شهادة المحاماة أيضا، باشرت عملها الجديد فور ان عملت ان هناك نقصا في معلمات مدرسة للأطفال بسبب الجائحة، وقامت بتأدية واجبات المعلمة الوظيفية بإشراف مديرة المدرسة ولبت كل احتياجات التلاميذ، ومن هناك أطلقت نداءها لجميع المسؤولين في مناصب مختلفة للإسراع في الانخراط في اية مؤسسة للخدمة العامة تعاني نقصا بالأيدي العاملة تحت ظروف الفيروس القاسية. فلا عذر لمن يظل جالسا على كرسيه في حين توجد مدرسة تشكو نقص معلمين او حضانة أطفال يلزمها معلمات ومشرفات أو سائق حافلة لنقل الصغار او معمل لإنتاج الأغذية او التجهيزات الضرورية للناس يعاني ضعف الإنتاج بسبب نقص عدد العاملين.هذه هي الثقافة الوطنية الحقيقية التي يطمئن تحت ظلالها المواطنون، وهم جميعا يجدون أنفسهم متساويين في الواجبات والحقوق والخدمات العامة لاسيما في ظروف الطوارئ. لدينا حشود كبيرة من أعضاء برلمان سابقين وحاليين وسياسيين من جميع الأصناف والألوان والاحجام ووزراء مكدسون على لوائح قبض الرواتب التقاعدية الباهظة فضلا عن مستشارين من دون الحاجة لوجودهم وليس استشارتهم فقط، وهؤلاء لديهم فائض مهول من الوقت الضائع، ولابد من الإفادة منهم في إعادة الاعتبارات الوطنية للأعمال والخدمات العامة. وعلى الجميع ان يرتدوا بدلات العمل والإنتاج بحسب جداول زمنية، قد تشمل يوما او يومين او ربما خمسة أيام في الأسبوع للمباشرة في دعم الورش الفارغة والمعطلة او المدارس المتعبة او حضانات الأطفال والمستشفيات المهملة او البلديات المحلية التي تشكو تكدس الازبال في الاحياء السكنية مع قلة اعداد الزبّالين الذين نكنُّ لهم كامل الاحترام لعملهم الحقيقي الوطني النادر في جدواه.لا توجد وظيفة أشرف من أخرى، توجد فقط اختصاصات وظيفية لتقسيم العمل في الحياة، لكن بالنسبة للمنصب السياسي، أرخص كل المناصب وأتفهها في هذا الزمان، فمن باب أولى أن ينخرط اصحابه بوظيفة ممرضة أو فرّاشة في ملجأ أيتام أو مُعينة في مشفى أو زبال في بلدية متهالكة، ولعل هذه الأدوار الوطنية الشريفة والسامية تكفّر عن سيئات الأغلبية الساحقة من السياسيين في خلال ثماني عشرة سنة تعيسة على بلادنا المنكوبة. ومَن يستنكف منهم فعليه ان يعلم كم تحمّل الشعب وجودهم برغم من انّ الملايين كانت ولا تزال تستنكف منهم.