السيادة مع ايقاف التنفيذ
د. معراج احمد اسماعيل الحديدي
تشكل السيادة الوطنية إحدى المواضيع المحورية في الدراسات السياسية والقانونية بصفة عامة، وفي علم العلاقات الدولية بصفة خاصة, فموضوع السيادة كان ولا يزال يحظى بأهمية بالغة في الفكر السياسي والقانوني، ذلك أن السيادة تعد من المحددات المركزية للدولة الوطنية, فهي تشكل أحد الأركان الجوهرية التي تبنى عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، كما تعتبر من المبادئ المهمة التي يعول عليها القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة.فالسيادة مفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة باعتبارها تشكل أحد أهم خصائصها وشروطها الأساسية، كما أنها تعد من المحددات السياسية والقانونية للدولة كعضو في المجتمع الدولي، وأيضاً يتجسد بموجبها الاستقلال الوطني للدولة، وكذا مساراتها مع الوحدات والكيانات السياسية الأخرى المشكلة للنظام الدولي.غير أن هذه الأركان والركائز المعيارية والساعية لتقديس سيادة الدولة وتعزيز هيبتها فقدت كثيراً من صلابتها، وخاصة في ظل بروز قضايا جديدة على أجندة السياسة العالمية كمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تنامي ديناميت التعاون الدولي التي تحولت تدريجياً إلى عولمة معقدة التركيبة، ومتعددة الفواعل ومركبة المضامين والأهداف.وفيما يخص السيادة العراقية فكما معلوم لدى الجميع كل ما كانت الدولة قوية ومتماسكة من الداخل, كلما كانت السيادة الخارجية محل احترام وتقدير, ولا يستطيع احد أن ينتهك جزء من حدودها خوفاً من رد الفعل المتوقع, والعكس صحيح ولهذا السبب نجد أن عمليات انتهاك للسيادة العراقية مستمرة منذ عام 2003 الى يومنا هذا, حيث تطالعنا وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بين الحين والاخر بعمليات عسكرية مفادها (اخترقت المقاتلات التركية المجال الجوي العراقي وقصفت مواقع لحزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق، وقد سبق هذا الامر قصف قوات إيرانية لأربع مناطق حدودية في شمالي العراق وتحديدا منطقة حجي عمران والمنطقة الحدودية بين إيران وإقليم كردستان العراق، في مناطق جومان والانان، بحجة تمركز أحزاب كردية معارضة لإيران في هذه المناطق).فمازالت العمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا وايران في شمال العراق وعلى مرأى ومسمع الجميع بحجة ضرب حزب العمال الكردستاني p.k.k)) المتواجد في اقصى الشمال العراقي, سيما اخرها الطائرة المسيرة التي اخترقت الحدود العراقية وقصف منطقة سيد كان وراح ضحيتها قادة من قوات حرس الحدود العراقي, فهذا العمل انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي العام وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على احترام سيادة الدول، ومبدأ حسن الجوار, وأن الخلافات بين الدول تحل بالطرق الدبلوماسية، وأن حجتهما لانتهاكها سيادة العراق من أجل الحفاظ على الأمن القومي لبلديهما، هذه حجة منطقها ضعيف جدا، لأن الحفاظ على الأمن القومي التركي والإيراني لا يكون على حساب سيادة العراق وأمنه, ولو افترضنا الامر بالعكس فهل تسكت هذه الدول اذا ما حدث تدخل من العراق داخل حدودها حماية للأمن القومي العراقي؟ الجواب بالتأكيد النفي !!!.وفي ردود الافعال من قبل الحكومة العراقية لا نجد سوى استنكار لوزارة الخارجية العراقية ضد القصف التركي او الايراني في شمال العراق, وهذا ما ينطبق على الادانات والاستنكارات الكثيرة التي تصرح بها اغلب دول الجامعة العربية, بل حتى الجامعة العربية نفسها لم نجد لها وعلى مدار تشكيلها منذ عام 1945 سوى لغة الادانة او الاستنكار عندما تنتهك سيادة دولة ما.وعلى هذا المنوال وفي معرض الكلام عن مسلسل خرق السيادة العراقية, وبعيداً عن العمليات العسكرية في الشمال من قبل ايران وتركيا, فإن دخول رئيس دولة بحجم الولايات المتحدة الامريكية الى العراق دون علم السلطات العراقية تدخل ضمن ازمة السيادة, فقد زار الرئيس الامريكي دونالد ترامب قاعدة عين الاسد في الانبار حيث يتواجد فيها جنود امريكان دون علم الحكومة العراقية فهذا ليس انتهاك واضح للسيادة, ولا يقدح بالقول بأن هذه القاعدة فيها قوات امريكية, وبالتالي هو لم يأتي زائراً الى العراق إنما للقوات العسكرية التي تعتبر جزء من الدولة ولا ترتبط بالعراق, بيد أن هذا الرأي لا يتم للحقيقة بشيء حيث اعتبار هذا الامر ممكناً لو أن قائداً عسكرياً بطائرة عسكرية يقدم الى هذه القاعدة, لكان هذا الامر وفقاُ للرأي المتقدم ممكناً وصحيحاً, أما أن تكون الزيارة من رئيس دولة للقاعدة مباشرة دون علم الدولة الحاضنة, فعمل كهذا انتهاك صريح للسيادة العراقية, ولا يدل إلا على ضعف الدولة وعدم المبالاة بها والاكتراث لأمرها.وبعد تولي الكاظمي رئاسة الوزراء والسير بجدية نحو تحقيق مطالب انتفاضة تشرين المباركة, والتي من ضمنها إن لم تكن اهمها هو الحفاظ على سيادة العراق ووحدته, وضرورة احترام حدود العراق وحل الخلافات بالوسائل الدبلوماسية الكفيلة بحل النزاعات العالقة في اطار القانون الدولي والاتفاقيات الدولية بهذا الشأن, ويدرك السيد الكاظمي جيدًا بأن المهمة ليست سهلة بل محفوفة بالمخاطر والتحديات, ومن أهما التحدي الأمني وتطبيق السيادة الوطنية سواء على المستوى الداخلي ام الخارجي.وفي اطار التحركات الحقيقية والكبيرة للسيد رئيس الوزراء لفرض هيبة الدولة واحترام سيادة القانون والحفاظ على سيادته, فهل تبقى السيادة مع وقف التنفيذ أم تتحول الى سيادة متنفذة ؟!!! .