السنـوات الأربـع المقـبـلــة
محمد شريف أبو ميسم
في ظل عولمة اقتصادية مدعومة برغبة لاستدراج الاستثمار الأجنبي بوصفه الحل في بلدان الشرق الأوسط التي عانت من فوضى التغيير، وفي مقدمتها العراق، يكون البحث عن الحلول الجاهزة مطلبا سياسيا وليس مطلبا جماهيريا فحسب، في سياق وسائل تدجين العقل الجمعي الحائر بين دوامة الفوضى وانعدام إمكانية الإجابة عن الأسئلة.ومن هذا المنطلق فإن ملامح السنوات الأربع المقبلة في بلادنا، ستبرز بوصفها نتائج لعمل سنوات من معطيات صدمة التحول من الدولة الرعوية نحو تعددية مرتبكة واقتصاد سوق منفلتة.فقد سعت الحكومات المتعاقبة لتنفيذ توصيات واشتراطات ما سمي بالاصلاح الاقتصادي، والتي ستفضي تطبيقاتها والتزاماتها الى خصخصة وظائف الدولة وتعويم العملة المحلية بوصفهما أدواة للتحول نحو اقتصاد تقوده الرساميل الأجنبية، نزولا عند رغبة دعاة حماية الحريات العالمية الذين يؤسسون لعالم تحكمه شركات العولمة.من جانب آخر ستكون الرغبة الجامحة لدى العراقيين في استدراج الرساميل الأجنبية الى بيئة الأعمال المحلية، مدعاة لتأسيس بيئة تنافسية ونظام نقدي ينسجم وتوجهات سلطة رأس المال الأجنبي التي حلت محل سلطة الدولة في كثير من دول العالم، الأمر الذي يستدعي الانخراط في منظومة الدول التي يقودها ثالوث العولمة {البنك والصندوق الدوليان ومنظمة التجارة العالمية} والتي تتبنى آلية السوق القائمة على الطلب الكلي في تحقيق الاستقرار النقدي، بما يضمن حركة الرساميل الأجنبية من والى البلاد في ظل اسلوب {التعويم المدار للعملة: الذي يتيح للسلطات النقدية التدخل في حال التغيرات المحتملة في أسعار الصرف الناجمة عن المضاربات}.وبناءً على ضرورات التمهيد هذا من أجل تولي الرساميل الأجنبية لملفات البناء والاعمار وسوق العمل، سينحسر دور مؤسسات الدولة القطاعية التي كانت تتولى ادارة المشاريع بشكل مباشر بموجب توجهات الاصلاح الاقتصادي التي ستدعم القطاع الخاص وتمنحه مساحة أكبر، حينها ستبرز نشاطات للرساميل المحلية مستفيدة من مرحلة التكيف والانتقال بسعر الصرف الى حالة الاستقرار، وصولا الى التنافسية مع السلع المستوردة، إذ سيتزايد معدل وجود المشاريع الصغيرة والمتوسطة كلما تساوت كلفة الوحدة المنتجة محليا مع كلفة انتاج مثيلتها المستوردة، إذ ستنخفض أجور العاملين وعناصر الانتاج الأخرى بموجب انخفاض سعر صرف العملة المحلية مع العملات الأجنبية، ما سيجعل الفئات محدودة الدخل أكثر عرضة لضغوط مرحلة التكيف، في حين سنشهد صعودا جديدا للبرجوازية الطفيلية (الكومبرادورية) مع انتعاش بيئة الأعمال.