الراحل راسم الجميلي.. نجم الكوميديا الذي أضحك العراقيين فخلدوه بذاكرتهم
تصادف هذه الأيام الذكرى الـ13 لرحيل نجم الكوميديا العراقية، راسم الجميلي، بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من نصف قرن، رسم من خلالها الابتسامة على شفاه ملايين المشاهدين.
ففي الأول من ديسمبر/كانون الأول عام 2007 توفي الفنان الجميلي عن عمر ناهز 69 عاما، بعد 10 أيام قضاها في العناية المركزة بأحد مستشفيات العاصمة السورية (دمشق) نتيجة وعكة صحية ألمّت به.
بداياته الفنية
ولد الفنان الجميلي عام 1938، ودخل مضمار الفن مبكرا منذ طفولته، حيث شارك في أول عمل مسرحي اسمه “الكتاتيب”، كما تولى إدارة قسم برامج الأطفال، وبرنامج مسابقات اكتسب شهرة واسعة داخل العراق وخارجه.
وكان الجميلي مهيأ وموهوبا ليكون فنانا في المستقبل، والدليل على ذلك أنه قدّم في المدرسة الابتدائية أول عمل مسرحي له عندما كان في الصف الخامس الابتدائي، بحسب الكاتب والإعلامي عبد العليم البناء.
ويشير البناء في حديثه للجزيرة نت إلى أن الفنان الراحل كان منذ طفولته نابغا في الجوانب الفنية، ثم واصل مسيرته حتى أصبح من أوائل مخرجي السينما العراقية، ومن أفضل مديري الإنتاج السينمائيين في دائرة السينما، وتشهد له مشاركاته الواسعة مع نخبة من فناني العراق اللامعين، أمثال الأستاذ ضياء البياتي.
ويضيف، كانت دراسته الإعدادية في ثانوية غازي، ولموهبته العالية وحبه للفن واشتراكه في النشاطات، دخل أكاديمية الفنون الجميلة، وكان أيضا من البارعين فيها.
بدوره، يذكر الفنان والمخرج سنان العزاوي أن الجميلي تخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1964، وبعدها بدأ بالمشاركة في عروض جماهيرية للعديد من المخرجين؛ مثل محسن العزاوي ومحسن العلي وقاسم محمد في فرقة المسرح الشعبي والفن الحديث.
ويضيف للجزيرة نت بناء على شهرته في المسرح الشعبي تم تأدية تكليفه العسكري في المسرح العسكري، الذي شكله آنذاك مع نخبة من الفنانين العراقيين المعروفين؛ مثل محمود أبو العباس وجواد الشكرجي ومحسن العلي وجاسم شرف وسامي محمود، وهنا سطع نجمه أكثر.
أعمال لمع فيها
برع الفنان الراحل في العشرات من أعماله الفنية من خلال المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، حيث كانت “مملكة الشحاذين”، و”حايط نصيص”، و”الشريعة” من أبرز أعماله المسرحية، كما ألف وأخرج العديد من المسرحيات منها “الإمبراطور”، و”سعيد أكشن”، و”عيش وشوف”.
أما أبرز أعماله السينمائية، فكانت “يوم آخر” و”الأسوار” و “حب في بغداد” و”100%” و”بديعة” و”السيد المدير” وغيرها.
ويعدد الإعلامي البناء، مجموعة أدوار قدمها الراحل، منها “مناوي الباشا” و”ذئاب الليل”، و”باشاوات آخر زمن”، و”انباع الوطن” بدور الزعيم، وغيرها من الأعمال التلفزيونية المهمة.
وينوه البناء إلى أن الجميلي لم يكن ممثلا مسرحيا وتلفزيونيا وسينمائيا فقط، إنما يعد ظاهرة متميزة في الوسط الفني؛ لتكوينه الجسدي الذي كان يؤهله لأداء الأدوار الكوميدية الخاصة به، وتميز في هذه الحالة ببدانته التي استثمرها كما فعلت الفنانة “أمل طه”، في تقديم الكثير من الأدوار الكوميدية الناجحة، والتي تعبر عن كوميديا الموقف، وليس عن كوميديا ضحلة أو بسيطة أو ساذجة أو مسطحة أو مبتذلة.
ويشير إلى أن الجميلي كانت له أدوار مهمة في السينما العراقية جعلته واحدا من ألمع نجوم الكوميديا في العراق، وكان أبرز أعماله بطولته في فيلم “السيد المدير”، وأثبت قدراته في الأعمال السينمائية.
ويتابع أن النكات والطرائف، التي يلقيها الجميلي على أسماع زملائه، تضفي الكثير من الروح الإيجابية على العاملين معه، وكانت توفر لهم فرصا من الاسترخاء بعد إرهاق العمل.
وهاجر الجميلي بعد الغزو الأميركي للبلاد إلى سوريا، وعمل في مسلسلات تم إنتاجها في تلك الفترة، إبان هجرة الفنانين العراقيين، وتوقف الأعمال الفنية داخل البلد بسبب الاضطرابات الأمنية.
بين الكوميديا والتلفزيون
الفنان الراحل راسم الجميلي كان مدرسة كبيرة، وأبوابه مفتوحة لكل من يريد أن يتعلم منه، كما يقول الفنان العراقي سامي قفطان.
ويرى قفطان في حديثه للجزيرة نت أن راسم الجميلي مدرسة لن تتكرر؛ لأنه مختص بلون معين، بكوميديا متّزنة لا تساوي بقية الكوميديا التي نشاهدها الآن، هذه المدرسة ليس لها منافس وستبقى مفتوحة الأبواب، حتى بعد مغادرته.
ويتابع “أول عمل جمعني مع الأستاذ الراحل راسم الجميلي، في الإذاعة عام 1966، عندما كنت أنا جنديا، وهو الضابط الآمر الخاص بي، وعملنا سويا بإخراج البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وشاركنا بأكثر من عمل”.
ويسترسل بالقول “أما في التلفزيون فقدم برنامج (3 أسئلة)، وسافر به إلى بلدان عربية وعالمية، وقدم برامج ترفيهية كثيرة؛ لكن المسرح أخذ من وقته الكثير، إضافة إلى التلفزيون والسينما والإذاعة”.
ويلفت العزاوي إلى أن راسم الجميلي كان من المخرجين الإذاعيين المهمين، وأخرج ما يقرب من 100 برنامج إذاعي ذي طابع كوميدي نقدي، وشكل مع محمد حسين عبد الرحيم دويتو (حوار غنائي) مؤثر.
سر الشعبية
يعود سبب شعبية الفنان الراحل إلى أنه خرج من المناطق الفقيرة، حيث كانت بداية حياته مع والده العطار، يعمل في مدينة الصدر -حاليا- (شرقي بغداد)، بحسب مدير المسارح مازن محمد مصطفى.
ويضيف للجزيرة نت أن نشأة الجميلي في المناطق الشعبية جعلت حبه للناس وتعامله معهم بشكل بسيط وواقعي وحقيقي؛ لذلك نرى هذه الشعبية ممتدة، حيث لم يطرأ على شخصيته التعالي أو التكبر على الآخرين، وكان يتعامل بإنسانية مفرطة مع الجميع.
ونوه إلى أن الجميلي كان شخصية مهمة ورائعة وما زالت في ذاكرة المجتمع العراقي، وأثرت به تأثيرا كاملا حتى على الأجيال اللاحقة، ويبدي مصطفى إعجابه الشديد بالأداء العفوي للراحل راسم الجميلي، لافتا بالقول هذه العفوية نفتقر لها الآن في الوسط التمثيلي.
من جهتها، تؤكد الفنانة العراقية هند كامل أن الجميلي كان له تأثير كبير على جمهوره، وتأثيره حتى بالأعمال الكوميدية الدرامية، وكانت له أعمال كوميدية مشهورة، ربما يكون أكثر شخصية كوميدية انحفرت في ذاكرة الجمهور العراقي -لكن ليس الأجيال الحالية-؛ هو “أبو ضوية” في مسلسل “تحت موس الحلاق”، للنجم الراحل الكوميدي الكبير “سليم البصري”.
وتضيف خلال حديثها للجزيرة نت، أن الموهبة الحقيقية الطبيعية التي كان يتمتع بها الراحل “راسم الجميلي”، كانت بعيدة عن الاصطناع والتكلف، جعلته يدخل قلوب جمهور النخبة أو الجمهور البسيط.
وليس بعيدا عن الفن، يفيد الكاتب والإعلامي عبد العليم البناء بأن الراحل أسس مطعما يقدم فيه الأكلات والمشروبات البغدادية الأصيلة في أحد البيوت البغدادية وأداره بنفسه، حيث شهد استقطابا واسعا، تقدم فيه الأغاني وما شابه ذلك، وكان رواده -من النخبة- فنانين ومثقفين.
توفي راسم الجميلي في سوريا بعيدا عن أصدقائه ومحبيه، وتم تشييعه في دمشق، ودفنه في مقبرة الغرباء إلى جوار الشاعرين الراحلين محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي
الاولى _نيوز